تأتي هذه المصالحة لتؤكد على سلام الشجعان بين الرجلين ، بعيدة عن أي مدلول سياسي في الوقت الراهن
 

 

مُصالحة مسيحية حقيقية تمت بالأمس بين رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية في بكركي برعاية البطريرك مار بشارة بطرس الراعي . 

 

هذه المصالحة المنتظرة منذ سنين وتحديداً منذ العام ٢٠٠٥ ، العام الذي خرج منه جعجع من السجن ، حصلت أخيراً بعد عدة جولات ومراحل من التفاوض بين الطرفين ، كانا قد أعلنا عنها بكل شفافية . 

 

وإن كانت هذه المصالحة بالأخير بين طرفين سياسيين في لبنان ، فإن البعد الوجداني والعاطفي كان طاغياً عليها بعيداً عن لغة المصالح السياسية التي سيكون لها مساحة فيها بالتأكيد حتى لو لم يُعلنا ذلك. 

 

فهي مُصالحة لا شك أنها ستُغلق صفحة سوداء في تاريخ الموارنة الحديث في لبنان ، صفحة كانت مليئة بالمجازر والقتل والدماء ، لكن أثبتت لغة الحوار من جديد أنها الوحيدة الكفيلة في بناء النفوس وإعلاء كلمة الرجال من أجل وطن أفضل وتواصل مستمر ومتين بين المكونات اللبنانية . 

 

أما في السياسة ، فلا يوجد أي عامل مشترك بين تيار المردة وحزب القوات اللبنانية ، خصوصاً على الصعيد الإستراتيجي والرؤية لسلاح حزب الله والعلاقة مع النظام السوري ، وهي ملفات خلافية وشائكة بين الطرفين .

 

لكن نجحت في السنين الماضية محاولات عديدة من قبل الأطراف اللبنانية على تكوين تفاهمات محلية بعيداً عن النظرة الإستراتيجية ، خصوصاً في الملفات اليومية والمعيشية التي تهم المواطن اللبناني ، وهذا ما قد يُترجم فعلاً في مجلسي النواب والوزراء على شكل تفاهمات وعمل مشترك بين القوات والمردة .

 

أضف أن البعد الوجداني والعاطفي للمصالحة هو البعد الأساسي والمركزي والأهم  ، كونها ستُقرّب المسافات بين القواعد الجماهيرية للطرفين .

 

إقرأ أيضا : مصالحة القوات -المردة..بركة المصالحات

 

 

وإن كان التوقيت مهم لهذه المصالحة أيضاً ، فهي تأتي بعد الإنتخابات وبعد شبه الإتفاق على جميع الحصص الوزارية بإستثناء عقدة " سنة ٨ آذار " ، ما يُضفي عليها بعداً تصالحياً ، وهذا ما ظهر في وثيقة بكركي التي تلاها المطران جوزيف نفاع ، وخلت من أي مضامين سياسية . 

 

لكن التوقيت أيضاً يُشير إلى عامل آخر مهم وهو أن الطرفين على علاقة سيئة برئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية  جبران باسيل .

 

وفي هذا الموضوع ، ربط كثر المصالحة بهذا الخلاف المشترك بين جعجع وفرنجية ، لكن هذا الربط مبالغ فيه نوعاً ما ، كون مشروع المصالحة بدأ الإعداد له في فترة كانت العلاقات بين المردة والتيار والقوات والتيار بألف خير .

 

أما دور باسيل في قيام هذه المصالحة فهو التسريع بولادتها فقط لا فكرة ولادتها , وهو في كل الأحوال سيكون قلق ومنزعج منها .

 

من هنا ، تأتي هذه المصالحة لتؤكد على " سلام الشجعان " بين الرجلين ، بعيدة عن أي مدلول سياسي في الوقت الراهن ، كما صرّح بذلك جعجع من بكركي ، لكن الحكيم أكّد في نفس الوقت أن " السياسة ستأتي لاحقاً وكل شيء أصبح ممكناً فقد تروني في إهدن أو بنشعي أو تروهم في معراب ". 

 

ولا يمكن غضّ النظر عن قضية رئاسة الجمهورية بعد عون ، فجعجع وفرنجية من أبرز المرشحين الأقوياء لهذا المنصب ، لكن الإيحاء أن وراء هذه المصالحة شيء ما له علاقة بالرئاسة ليس واضحاً  ويبدو مستبعداً حتى الآن لأن الطرفين مرشحين في النهاية .

 

بالمحصّلة ، تبدو حدود هذه المصالحة متوقفة عند إغلاق صفحة الماضي والتأسيس للمستقبل ، ويبقى الرهان على نجاحها وكيفية تغلبها على العصي التي قد تُوضع في دواليبها . 

 

أما الماضي الأليم فكما تقول الحكمة الفارسية القديمة " هذا أيضاً سوف يمر " وتستمر الحياة .