شهدت بكركي مصالحة تاريخية دفنت هي الأخرى أحقاداً تعود لأكثر من أربعين عاماً
 

لم تنته الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 إلاّ ببركة اتفاق الطائف الذي كان تتويجاً للمصالحة الوطنية العظيمة التي أنجزها البرلمان اللبناني عام 1989 في مدينة الطائف في المملكة العربية السعودية وإشراف جامعة الدول العربية، مصالحة تاريخية ابتدعت دستوراً جديداً للبلاد وطوى صفحة الحرب الأهلية، وسمح بقيام مؤسسات الدولة الشرعية، وتوحيد الجيش وحلّ الميليشيات، ورغم تعكير صفو اللبنانيين بهذه المصالحة من قبل رئيس الحكومة العسكرية المبتورة في حينه الجنرال ميشال عون، إلاّ أن الاتفاق سرى مفعوله بعد أن تمّ إنهاء التمرّد العوني وخروج الجنرال من القصر المدمر، وما زال اللبنانيون ينعمون ببركات اتفاق الطائف حتى الساعة.


بعد حوالي خمسة عشر عاماً حصلت مصالحة الجبل عام 2001 ، وهي لا تقل أهمية عن مصالحة الطائف، فقد دفنت هذه المصالحة أحقاداً موجعة وجراحاً أليمة بين المسيحيين والدروز الذين يتشاركون العيش والجوار في جبل لبنان، وكان قطبا تلك المصالحة البطريرك مار نصرالله بطرس صفير والزعيم الدرزي وليد جنبلاط بمباركة كافة الأحزاب والفعاليات والقيادات السياسية في طول البلاد وعرضها. كما يمكن إدراج اعتراف الدكتور سمير جعجع قائد القوات اللبنانية واعتذاره من اللبنانيين جميعاً عن أخطاء الحرب الأهلية وارتكاباتها عام 2007  نوعاً من المصالحة مع الذات أولاً والمناصرين والخصوم تالياً، وكان ذلك الاعتراف والإقرار بالذنب فيه من الشجاعة الأدبية والمسؤولية الأخلاقية ما يرفع من شأن صاحبه ويُعلي قدره ومكانته. وعلى كلّ حال لم يُقدم على ذلك أحدُ من أقطاب الحرب الأهلية المقيتة.

 

إقرأ أيضا : موارنة من أجل لبنان: المصالحة بين القوات والمردة خطوة مطلوبة

 


اليوم، شهدت بكركي مصالحة تاريخية دفنت هي الأخرى أحقاداً تعود لأكثر من أربعين عاماً، مصالحة بين طرفين مسيحيين يقودان حزبين فاعلين في الوسط المسيحي الشمالي، وهي لا تكاد تقلُّ أهمية عن مصالحة الجبل لما لها من آثار وجدانية وأخلاقية وسياسية وشخصية بين قائد القوات الدكتور سمير جعجع وقائد تيار المردة سليمان فرنجية.


قد يعترض البعض لعدم إدراج تفاهم مارمخايل بين حزب الله والتيار الوطني، كذلك تفاهم معراب بين القوات والتيار ضمن المصالحات الوطنية، والجواب الواضح أنّها كانت "تفاهمات" مصالح ومنافع متبادلة أكثر منها مصالحات، والله أعلم، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون.                                                                          ً