عاد معظم أهالي بلدة طفيل اللبنانية إلى بلدتهم الواقعة على الحدود الشرقية إثر تهجيرهم قسراً جراء المعارك بين «حزب الله» والنظام السوري من جهة والمعارضة من جهة ثانية، وبدأ العمل على شقّ الطريق الذي يصل البلدة بأخواتها اللبنانية، والسؤال يبقى: هل تعود البلدة إلى حضن الدولة اللبنانية بعد معاناةٍ إستمرت عشرات السنين كانت خلالها بلدةً لبنانية بالهويّة فقط، أم أنً لـ«حزب الله» وتمركزه فيها حسابات أخرى؟
 

على الحدود الشرقية للبنان، وعند تلك الخاصرة الرخوة التي تشبه الأصبع داخل الأراضي السورية، تقع بلدة طفيل اللبنانية التي حكمت عليها الجغرافيا بمساحة تزيد عن 52 كلم، تقطنها عائلات من مختلف الطوائف، وتحيط بها الأراضي السورية من جهات ثلاث، ما عدا الجهة التي تتصل بها مع جرود بلدتي حام وبريتال اللبنانيّتين.

لم يشعر أهالي بلدة طفيل يوماً بلبنانيّتهم سوى بالهوية وبإخراجات القيد من دائرة النفوس في بعلبك التي كانوا يقصدونها عبر الأراضي السورية إلى المصنع ومنه إلى مدينة بعلبك، فيما كان عملهم وتعاملهم بالعملة السورية، ويشترون حاجياتهم من الأراضي السورية ويؤمّنون منها الخدمات بما فيها الكهرباء والهاتف الخلوي.

وطيلة السنوات الماضية لم تسعَ الدولة اللبنانية إلى رفع ذلك الغبن الذي لحق بالبلدة وأهلها حتى جاءت معركة القلمون لتزيد من معاناة الأهالي الّذين هُجِّروا من منازلهم وتوزّعوا على مناطق البقاع وعرسال، ليعودوا إليها تدريجاً منذ سنة تقريباً، وبدأ العمل على شقّ طريق يصلها بالبقاع وبالداخل اللبناني من جرود بلدتي حام وبريتال، ما أوصل بعض أهاليها إلى الدعاء للأزمة والمعارك السورية التي ساهمت في تهجيرهم وإيصال قضيّتهم إلى مسامع الدولة اللبنانية التي سارعت إلى صرف الأموال اللازمة لشقّ طريق يصلهم بوطنهم الأم منذ ثلاث سنوات وبدأ العمل به هذا الصيف.

وعلى المقلب الآخر وأثناء عودة أهلها إلى بلدتهم تعاملت معهم الدولة اللبنانية كنازحين سوريين حيث أقامت نقاط أمنية تبعد كيلومترات عن مدخل البلدة ودققت في لوائح العائدين، ومن هناك تركوا لمصيرهم مجدداً حيث كان «حزب الله» يقيم حاجزاً عند مدخل البلدة، وتتجوّل قوات الدفاع الوطني في داخلها ولا تزال، وكذلك الأمر بالنسبة لحاجز «حزب الله» الثابت هناك والمقيم في البلدة رغم انسحابه من السلسلة الشرقية وتسليم مراكزه التي أقامها إبان المعارك إلى الجيش اللبناني.

وعلى الطريق الذي يُعمَل على شقّه وتعبيده لتأمين ولوج أهالي البلدة إلى الداخل اللبناني، سقط إبن البلدة من آل شاهين وزوجته منذ اسبوع، إثر إنقلاب سيارته على الطريق أثناء توجّهه إلى البلدة للحصول على مساعدات تقدّمها منظمات إنسانية، ليزيد من معاناة أبناء البلدة ومشقّاتهم وتستعيد معه واقع التهميش والحرمان القابع خلف تلك الجبال التي تحيط بالبلدة، ويبدأ الأهالي برفع الصوت مجدداً لإنصافهم بعد معاناة زمنٍ رديء لم يأتِ عليهم سوى بالخيبات والظلم.

ينظر أهالي البلدة إلى انفسهم وكأنهم نازحون مهجّرون في وطنهم، فلا الدولة تصل إليهم بخدماتها، ولا تحمي أبناءَها من بطش عناصر الدفاع الوطني الذين يجولون داخل البلدة كلما طاب لهم، فيما «حزب الله» يقيم حاجزاً أول البلدة وعلى الجيش اللبناني المرور عليه في حال قرّر زيارتها.

وكان الحزب قد منع الأهالي من دخول البلدة والخروج منها في ظلّ إنتشاره على السلسلة الشرقية بأكملها. ولم يعرف حتى اليوم هدف «حزب الله» من مراكزه وحواجزه في البلدة بعد إنتهاء الأزمة السورية وتنظيفه مشكوراً، كامل منطقة القلمون من المجموعات الإرهابية التي خلّفت إرهاباً وقتلاً في بقاعنا لا يزال الناس يعانون آثاره حتى اليوم.

يتطلّع أهالي البلدة اليوم إلى الدولة اللبنانية بعين الأمل عسى أن تتطلّع الى البلدة وأهلها وتضمّها إلى الوطن كإبنٍ ضالّ أو منسيّ حَكمت الظروف عليه بالهجرة والضلال القسري، علَّها تعوّض كل ذلك الغياب، وتستكمل طريقها ويقيم الجيش اللبناني فيها، فيما يسأل البعض عن سبب ذلك التراخي وغياب الأمن عن البلدة وكأنّ دخول الدولة إليها مُحرّم.