إن قراءة التاريخ يتطلب من الباحثين اجراء جدل ديالكتيكي لحركة التاريخ والنظر اليه نظرة ماركسية اي مادية حيث تنتقل من " الدعوة " الى " نقيضها"من الى" تأليف" بين الطرفين  وشرح هذا الثالوث،  كما اطلق عليه هيغل بعبارته الواضحة: "علينا هنا في بداية تناول فكرة ناقصة ، فتؤدي تناقضاتها الى ان يحل محلها نقيضها، غير ان هذا النقيض تظهر فيه العيوب نفسها ، فلا يبقى طريق للخلاص سوى ان ندمج بين محاسن التصورين في تصور ثالث، الذي من شأنه ان يحل المشكلات السابقة والتقدم خطوةً نحو الحقيقة. إن الجدلية تعبر عن التفاعل بين الفكرة ونقيضها على نحو يدفعها للتطوير والإرتقاء. فالحركة التاريخية هو صراع الاضداد والتناقضات نحو الحرية والوعي الحضاري والانساني الشبيه بالثورة الكوبرنيكية بهدف تهيئة الارضية لادراك ظروفها واسبابها والانتقال من النوازع والطرح التقليدي الى الطرح الاكثر حداثوي والتقدمي، عبر اعادة تجديد الخطاب الاجتماعي والسياسي من اجل تحرير الذات من ازمة الضمير المُؤدلج نحو تاريخ اجتماعي لدفع حركة التاريخ الى التساؤل عن المنبوذين والصامتين والمهمشين في التايخ التقليدي. ويكفي هنا ان نفكر في كتاب : " اعناب الغضب" لبريشت للبحث في تطور الدراسات الاجتماعية حول الهامشية الاجتماعية وتطوير الاشكالية الجديدة. 

ويبقى ان نشرح ما المقصود ب " الهامشية السياسية" ؟ ان الهامشية: هي حركة احتجاجية أُثيرت في أوروبا الغربية والتي زعزعت القيم الحضارية المسيحية_ اليهودية الاكثر استقرارا في العالم الرأسمالي وبصورة اوسع المجتمعات الصناعية البيروقراطية: حيث هاجم البينتيكس والهيبيز والجماعات والمدافعون عن الطبيعة في خطابهم وسلوكهم، الاخلاق الجنسية التقليدية ومؤسسة العائلة واخلاقياتها والعمل وإيديولوجيا التقدم وهامشية الوعي والاحتجاجية التي تتعدد اشكالها الى لاعنف محبي السلام (الخ) التي كانت تشملهم جسامة الظلم الاجتماعي المُلازم لسير المجتمعات. فقضية السود في اميركا وافريقيا والعمال المهاجرين في اوروبا والحركات النسوية التي عبرت عن النوازع العنصرية والهيمنة والاقصاء التي اعيد انذاك، من خلاله إعادة إنتاج النظام الاجتماعي. ويبقى السؤال هل هذه الهامشيىة مفروضة غصباً أم ارادةً؟

لو عدنا الى القضية اللبنانية، لوجدنا ان الشعب اللبناني لم يستفيد من هذه الحركة التاريخية وهذا ما تجلى من خلال سياسته الداخلية سواء في موقف شعبه من العقوبات الاقتصادية الغير مسؤولة والتي لم تنم عن وعي سياسية ولا اجتماعي ولا حتى وطني بعكس، تجارب أخرى كصربيا وايران، الاول عندما استشعر الرئيس الصربي، سلوبودان ميلوشيفيتش بحجم الخسائر التي تكبتدتها بلاده، اعلن استسلامه لتفادي مزيد من الخسائر بينما الثاني، تمثل بحجم الوعي الشعبي الايراني اتجاه ضرر العقوبات على بلادهم، فلم يستجيبوا لاي انقلاب داخلي على رغم الحصار الاقتصادي وسياسة التجويع. بينما في لبنان، ان ابنائه لا يعون مسؤوليتهم اتجاه مصير بلادهم ولا الى دوره وسؤالي هنا: ما هو موقف الشعب اللبناني فيما لو لم تتشكل الحكومة من تداعيات مناخات سياسة التطبيع وآثاره على الداخل اللبناني؟ هل في ذلك مكسبٌ ام حرب الغاء تشمل لبنان لاقتلاعه من جذوره؟

الجواب ليس في التخوين والاتهامات ووضعي العصي بالدواليب بل في موقف وطني حاسم وجازم.إن  لبنان لم يرتقي بعد الى هذا المستوى من النضوج السياسي وهذا ما اثبَته ويثبِتُه الرئيس الحكومة في لبنان بزيارته الى فرنسا في توقيت مصير بلاده على المِحك، مهدد بالفتن المذهبية والطئفية وممكن ان ينفجر لان كل الساحات مهيئة لذلك. وهذا كان واضحاً في خطاب سماحة السيد نصرالله وبالعبارة الدقيقة : لا نكترث لا لاميركا ولاسرائيل ولا لسيف العرب) وبخاصة ان الساحة العربية من اليمن الى سوريا والخليج وبحسب كلام نصرالله، النصر والانتصار والقوة، تعمّ جميع الساحات والميادين بالردع الاستراتيجي وبخاصة حين عبر عن موقفه الصريح لدول الخليج، ان المعسكرات بدأت تتموضع بشكل علني من خلال الزيارات العلنية والعلاقات مع الكيان بعبارة:" ان المستور بات مفضوحاً" وان صفقة القرن والتطبيع هي سياسة ادارة ترامب على قاعدة السلام مقابل التسوية. 

فهل ينجح السلام ليَخرج عن ذلك التسوية ؟ عندما وقع السادات اتفاقية كامب دايفيد عام 1978 ، فقد جاءت في ظروف انتصرت فيها مصر أثناء خطّ برليف على الكيان الاسرائيلي عام 1973 ولو ان النصر كان معنويا ومؤشراً على ان العرب في تلك المرحلة كانوا يملكون مقومات القوة. بينما اليوم عن اي قوة يتحدثون في حين ان قضية صحافي بسيط استفاق ضمير الغرب عليه بينما مجازر اليمن وسوريا والعراق وتهويد القدس وتصفية مسيرات العودة لم يستفيق عليها بعد الضمير العربي. وهذا ما ذكره اساسا سيد نصرالله في خطابه10\11\2018 . اضف انه لو اردنا الذهاب بسياسة التطبيع والسلام مع اسرائيل على قاعدة قمة "مبادرة السلام العربية" ، التي عقدت في بيروت عام 2002 ، هل يتنازل الطرف الاسرائيلي عن الاراضي التي احتلها في لبنان وسوريا؟ او ان تجربة اسلو ستعيد تكرار نفسها، لنُسلم جدلاً ان اسرائيل فعلاً تريد الحل والسلام المفقود ويجب استحضاره لخلاص الامة العربية وبخاصة لبنان من ازماته الاقتصادية وسياسة التجويع والحصار ويكفي سياسات "عبثية"  في المنطقة وصواريخ على غرار ما غرد به رئيس حزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط منذ يومين، فهل يصبح السلام هو مفتاح الحل في حين ان اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل اوقعت الاولى بديون وخسائر اقتصادية، لا تزال اسيرة ومستعبدة بها من الاشقاء العرب ويتم الضغط عليها وازاحتها من الخارطة العربية كإرث تاريخي نابض بالعروبة والقومية اضافة الازمات الامنية في كل من سيناء وغزة. فهل لبنان يعي هذه الحقائق او ستكون النتيجة على قاعدة: لو كنت ادري لما فعلتها كما قال سماحة السيد في عدوان حرب تموز 2006.

بالختام ، لنعيد قراءة التاريخ قراءة نقدية(بنوية_ مادية) لتفادي تكرار الاخطاء والخطايا. وبناء قواعد وأُسس سليمة قائمة على أساس بناء الدولة من خلال تمثيل أحجام كافة المكونات والاعتراف بها دون تهميش في إطار ديمقراطي حقيقي نسبي دون اقصاء وانكار للذات والغاء لبنان او تبقى معادلة الثلاثية الذهبية منعا من حرب اهلية وامارات طائفية بالامس القريب اعيد احيائها عبر اثارة العقد الدرزية والمسيحية . نعم لالغاء الطائفية السياسية.

باحثة متخصصة بالصراع العربي الاسرائيلي وتاريخ اليهودي-الاسلامي ونقد العقل العربي –الاسلامي.