التطورات التي نجمت من العقوبات الأميركية ضد طهران وموسكو و«حزب الله»، حجبت الأنظار عن المبادرة الروسية الخاصة بإعادة النازحين السوريّين. وزادت في الطين بلّة التعديلات التي أدخلتها السلطات السورية على القانون الرقم 10 الخاص بـ «أملاك الغائبين» والعراقيل امام اللجنة الخاصة بالدستور الجديد، ما طرح السؤال حول مصيرها واحتمال تجميدها والأسباب التي أعاقتها. وعليه ما هو جديدها؟
 

على رغم صمت المَدافع بعد تأجيل العملية العسكرية التي كانت مقرّرة في ادلب ومحيطها، وعلى وقع المناوشات في السويداء وصحراء تدمر بين القوات الروسية والسورية و«داعش»، كما تلك الدائرة منذ فترة على ضفَّتَي الفرات شرقاً وغرباً بين «داعش» و«قوات سوريا الديمقراطية» والترتيبات الخاصة بمنبج ومحيطها، لم يسجّل أيُّ تقدّم على مستوى المبادرة الروسية في شأن إعادة 7 ملايين واكثر من نصف مليون من النازحين واللّاجئين السوريّين الى بلادهم.

مجمل هذه التطورات عزّزت الحديث عن سيناريوهات عدة طاولت المبادرة وباتت تهدّدها، والعقبات التي حالت وما زالت دون انطلاقها وفق الآليات العملية التي تمّ التوصّلُ اليها على رغم الضجيج الذي رافق اطلاقها والحملات الديبلوماسية التي شُنَّت من أجلها.

انطلاقاً من هذه الوقائع، ارتفع منسوبُ الخوف لدى كثير من المراقبين الذين كانوا على تماس مع ما نصّت عليه الآليات المعتمدة، تزامناً مع السعي الى التقدم نحو ما يمكن أن يُسمى الحل السياسي في سوريا، انطلاقاً من سلسلة القمم التي عقدت بين سوتشي وطهران واسطنبول نهاية الشهر الماضي عدا عن لقاءات ومؤتمرات وزراء خارجية ودفاع مختلف الأطراف المتحالفة والمتحاربة في سوريا.

لا يتعب الباحثون عن أسباب إعاقة إعادة النازحين السوريين. فهي واضحة في جوانب منها على رغم تلافي التصريح أو التلميح الى البعض منها على أساس أنها قابلة للمعالجة طالما أنها من ضمن البيت الواحد، بعدما ظهرت الى العلن العوائق الأخرى التي أفصح عنها أطرافها في اكثر من مناسبة وبرّروا بما فيه الكفاية مواقفهم فلم تعد سرّاً.

وللدخول الى عمق البحث عن أسباب العراقيل لا بد من تصنيفها بين حَدَّي ما يجري ضمن صفوف الحلف الواحد وتلك القائمة بين المتخاصمين من الحلفين الكبيرين اللذين تقود أحدهما موسكو والآخر واشنطن.

فإلى الرفض المعلن الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة الأميركية ومعها دول الحلف الدولي ضد الإرهاب تجاه المبادرة الروسية والذي تُرجم بحجب التمويل عنها، عدا عن الملاحظات الأخرى تجاه مصير النظام السوري وتصرفاته، فقد قدّموا الحلّ السياسي على برامج العودة.

وعلى رغم وضوح هذه المعادلة فهناك عوائق أخرى تواجهها موسكو بصمت وتحاول معالجتها بعمل ديبلوماسي وعسكري دؤوب لم يترجم بعد أمراً واقعاً كاملاً ولم يظهر واضحاً على سطح الأحداث.

ومن هذه الزاوية بالذات لمس زوّار موسكو ودمشق بعضاً من عوائق المبادرة الروسية، ولا سيما منها تلك المرتبطة بتدابير السلطات السورية التي انعكست تردّداً يقرب الى الرفض صدر عن أكثر من مستوى ديبلوماسي وأُممي وروسي تحديداً.

وفي مقدّم هذه التعديلات، تلك التي أدخلها مجلس الشعب على بعض من مواد القانون الرقم 10 الصادر في 2 نيسان 2017 الخاص بأملاك النازحين واللاجئين السوريين الغائبين عن أرضهم وممتلكاتهم والذي مدّد مهلة تقديم الطلبات والوثائق الملحقة بها من شهر إلى سنة تُحتسب من تاريخ صدوره.

وقد جاءت هذه الخطوة لتشكل عقبة جديدة أمام برامج عودة النازحين نظراً لمخالفتها مضمون الطلب الروسي من الحكومة السورية الذي بدأ بتمديد هذه المهلة سنة قبل أن ينتهي الى ضرورة وقف تنفيذه وكأنه لم يكن، عند انتفاء أيّ مهلة لتطبيقه. فقد أرادت القيادة الروسية بموقفها هذا التخفيف من حدة ردات الفعل السلبية للقانون في شكله ومضمونه وتوقيته، خصوصاً أنّ ما جاء به من إجراءات معقّدة لا تسمح بتطبيقه على السوريين جميعاً في ظروف متكافئة.

فالقانون في شكله وتوقيته استبق الإعلان عن مجموعة من برامج العودة التي تحتاج الى وقت أطول لإنطلاقها وفي مهلة تتناقض ومضمون المهل المنصوص عنها فيه، والتي في حال استنفادها ستحول دون عودة مئات الألوف منهم الى بلادهم ومناطقهم الأصلية.

ويضاف الى ذلك انّ روسيا سبق لها أن أبلغت الى الأمم المتحدة تجميد العمل بالقانون، على ما أكد مستشار الشؤون الإنسانية في فريق الأمم المتحدة العامل في سوريا يان إيغلاند الذي أكد انّ هذا القانون جُمّد ولم يعد معمولاً به.

وبالإضافة الى عقدة القانون الرقم 10 المثير للجدل، فقد أدّت المواجهة الأخيرة بين الحكومة السورية وممثل الأمم المتحدة في سوريا ستيفان دوميستورا في شأن رفضها تسمية ممثليها الى اللجنة الدستورية، كما بالنسبة الى إشراك أيٍّ من ممثلي المعارضة السورية المعتدلة فيها، شكّل نقزةً كبيرة لم تعالج بعد على رغم تأكيد قمّة اسطنبول الرباعية الأخيرة أهمّية إحياء اللجنة الدستورية توصّلاً الى الدستور الجديد.

أمام هذه العقبات، ترى القيادة الروسية نفسها في أسوا موقف عندما يسألها أيّ زائر عن مصير خطط وبرامج اعادة النازحين. فهي وقعت بين ناري الرفض الدولي لتطبيقها في شكلها وتوقيتها من جهة، وما يعوق تنفيذها في الداخل السوري من جهة أخرى.

ومن هنا تعزّز الشعور بتجميد هذه الخطط الى أجل غير مسمى، على أن يبقى توقيته في يد هذه القيادة التي لا يمكنها الحديث عن أيّ مواعيد قبل تذليل أيٍّ من هذه العقد المتفاقمة يوماً بعد يوم.