تشهد مواقع التواصل الاجتماعي ثورة غضب يقودها ناشطون إيرانيون على رموز النظام، احتجاجا على فساد وإسراف القلة صاحبة الامتيازات التي تنفق ببزخ في حين تعاني الأغلبية من صعوبات كبيرة في اقتصاد يواجه عقوبات أمريكية أكثر صرامة.
 

وشهدت البلاد موجة احتجاجات خلال العام الأخير قابلها النظام بالقمع، لكن مع تزايد الضغوط الاقتصادية يشير الناس بأصابع الاتهام بشكل متزايد إلى أصحاب المال والنفوذ ومنهم رجال الدين والدبلوماسيون والمسؤولون وأسرهم.

ومن بين المنفسين عن هذا الغضب سيد مهدي صدر الساداتي، وهو رجل دين مغمور نسبيا لديه أكثر من 256 ألف متابع لحسابه على موقع إنستغرام، حيث يكتب منشورات لاذعة تستهدف أبناء الصفوة.

النمر المستلقي 

وفي أحد منشوراته الأخيرة، انتقد "حياة البزخ" التي يعيشها قائد الحرس الثوري وابنه الذي نشر صورة شخصية على الإنترنت، وهو يقف أمام نمر مستلق في شرفة قصر.

ومجرد الانتقاد العلني لعضو في الحرس الثوري، الوحدة العسكرية القوية التي ترفع تقاريرها للمرشد علي خامنئي مباشرة، هو في حد ذاته فعل تحد غير معتاد.

وكتب صدر الساداتي يقول "نمر في المنزل؟ ماذا يحدث؟"، وأضاف "وهذا كله لشاب عمره 25 عاما لا يمكنه كسب مثل هذه الثروة. الناس تواجه صعوبات كبيرة للحصول على حفاضات لأطفالهم".

وانخفض سعر العملة الإيرانية الريال إلى 149 ألف ريال للدولار في السوق السوداء المستخدمة في أغلب التعاملات من نحو 43 ألفا في بداية عام 2018، عندما توعد الرئيس الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي بين طهران وقوى عالمية الذي يهدف إلى كبح برنامجها النووي.

ودفع ذلك تكلفة المعيشة للارتفاع بحدة وقلل الواردات في حين دفع التهديد بعقوبات مالية أميركية العديد من الشركات الأجنبية للخروج من إيران أو الابتعاد عنها. وقد يزداد الأمر سوءا بعد أن بدأ سريان عقوبات إضافية هذا الأسبوع.

"سلطان العملة"

خوفا من تنامي السخط من الثراء النسبي لقلة من سكان البلاد البالغ عددهم 81 مليون نسمة، وافق خامنئي على تأسيس محاكم خاصة يتركز عملها على الجرائم المالية.

وأصدرت هذه المحاكم سبعة أحكام بالإعدام على الأقل منذ تشكيلها في أغسطس الماضي، وبعض المحاكمات أذاعها التلفزيون على الهواء.

ومن بين المحكوم عليهم بالإعدام وحيد مظلومين، الذي أطلق عليه الإعلام المحلي لقب "سلطان العملة" وهو متعامل متهم بالتلاعب في سوق الصرف ومن المزعوم أنه ضُبط بطنين من العملات الذهبية، وفقا لما ذكرته وكالة الطلبة للأنباء.

لكن العقوبات المشددة لم تكن كافية للحد من السخط، وأصبح كبار المسؤولين ورجال الدين في مرمى نيران الانتقادات.

وقال سعيد ليلاز، المحلل الاقتصادي والسياسي المقيم في طهران، "بسبب تدهور الوضع الاقتصادي يبحث الناس عمن يلقون اللوم عليه وبهذه الطريقة ينتقمون من الزعماء والمسؤولين في البلاد".

ومن المرجح أن ترحب واشنطن بإشارات تعرض المؤسسة الدينية والسياسية في البلاد لضغوط إذ تأمل في أن تجبر طهران، من خلال الضغوط الاقتصادية، على كبح برنامجها النووي والتراجع عن خططها لمد نفوذها العسكري والسياسي في الشرق الأوسط.

ويتراكم الغضب العام بين الإيرانيين منذ بعض الوقت. فقد بدأت الاحتجاجات بسبب الصعوبات الاقتصادية في أواخر العام الماضي، وامتدت في أكثر من 80 مدينة وبلدة وأسفرت عن مقتل 25 شخصا على الأقل.

"رجال الدين" فاسدون

إضافة إلى إسهاماته المكتوبة، نشر صدر الساداتي فيديوهات لمناظرات بينه وبين بعض منتقديه.

وفي إحدى هذه المناظرات واجه مهدي مظاهري، ابن محافظ سابق للبنك المركزي كان تعرض لانتقادات على الإنترنت بعد نشر صورة له يرتدي فيها ساعة ذهبية ضخمة.

وصاح صدر الساداتي، وسط النقاش المحتدم، قائلا "كيف أصبحت غنيا؟ بكم من المال بدأت حياتك وكم لديك الآن؟ كم قرض أخذت؟"

وقال مظاهري، الذي بدا غير قادر على الرد، إنه مستعد لنشر وثائق عن أوضاعه المالية.

وتعرض أبناء أكثر من عشرة مسؤولين آخرين للانتقادات على الإنترنت، وأصبح يشار إليهم كثيرا بتعبير "أغا زادة" الذي تعني حرفيا بالفارسية "من نسل النبلاء" لكنه تعبير ازدرائي كذلك يستخدم لوصف ما يبدو عليهم من مظاهر البزخ.

واستهدفت الانتقادات كذلك رجال دين بارزين.

فقدم محمد ناجي لطفي، الذي كان يتولى منصب خطيب الجمعة في مسجد في إيلام في غرب إيران، استقالته في أكتوبر الماضي، بعد تعرضه لانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب صورة له تظهره خارجا من سيارة رياضية فارهة.

ووصفت منشورات على فيسبوك لطفي بالمنافق، لإلقائه الضوء في خطبه على سبل تمكن المواطن الإيراني العادي من التغلب على الأزمة الاقتصادية. وموجة الغضب كانت عاملا رئيسيا في استقالته من منصبه الذي شغله منذ 18 عاما.

وقال لطفي لوسائل إعلام حكومية بعد استقالته "الضجيج الذي أثير ضدي وأنا في هذا المنصب.. دفعني للاستقالة، خشية أن تتضرر مكانة الزعيم الأعلى للثورة الإسلامية وسط تشكل هذا الضجيج".

وأضاف "مسألة السيارة... محض أكاذيب لفقوها على الإنترنت".

وهو واحد من أربعة رجال دين على الأقل مسؤولين عن إمامة صلاة الجمعة قدموا استقالاتهم في العام الأخير، بعد اتهامهم على مواقع التواصل الاجتماعي بالسفه وبمخالفات مالية.