حسناً فعل الرئيس سعد الحريري بتجميد كل تحركاته ومشاوراته لتذليل العقد التي تعيق تشكيل الحكومة، لأنه قام بكل ما هو مطلوب منه كرئيس مكلف تشكيل الحكومة ووفق ما تمليه عليه مسؤولياته الوطنية، وما ينص عليه الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، فالرئيس الحريري سلم التشكيلة الحكومية إلى رئيس الجمهورية بعد إسقاط أسماء الوزراء على الحقائب وفق الاتفاق الذي تمّ مع القوى السياسية الأساسية، باستثناء وزراء حزب الله لأن الحزب تمنع عن اعطائها إليه الا بعد أن يوافق الرئيس المكلف عن توزير أحد النواب السنة الستة المتحالفين معه إلى التشكيلة الذي من واجبه الدستوري أن يصدرها بمرسوم يوضع عليه مع الرئيس المكلف ليصبح نافذاً، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن الرئيس الحريري قام بكل ما هو مطلوب منه، وباتت الطابة في ملعب رئيس الجمهورية بعدما خرجت من ملعبه، وهو أي الرئيس الحريري، عندما غادر إلى باريس للراحة ولاجراء اتصالات دولية تصب في مصلحة لبنان، كان يُدرك تماماً إن ذلك سيفتح باب التساؤل واسعاً عمّا إذا كان ابتعاده عن الساحة الداخلية في ظل هذه الظروف الحساسة والدقيقة هو نوع من الاعتكاف، وهذا ما حصل بالفعل حيث بادرت معظم وسائل الإعلام لا سيما منها المرتبطة بشكل أو بآخر بحزب الله إلى الترويج بأن الرئيس الحريري معتكف احتجاجاً على التأجيل الحاصل، فليكن الأمر كذلك، ويعتكف الرئيس الحريري على متابعة مساعيه لتذليل العقبات التي ما زالت تعترض تأليف الحكومة رداً على حزب الله الذي عطل صدور مرسوم تشكيل الحكومة بمحاولة فرض توزير أحد النواب الستة التابعين له في الحكومة العتيدة، بما يُشكّل تدخلاً سافراً في شؤون الطائفة السنية، في وقت لا يسمح هو بأي تدخل في شؤون الطائفة الشيعية التي قبض على قرارها بقوة السلاح، ومن المؤسف ان يقف الرئيس نبيه برّي إلى جانبه في هذا التدخل مع علمه الأكيد بأنه يُشكّل خروجاً على التوازنات الداخلية ومحاولة إلغاء دور هذه الطائفة في هذه المعادلة.

وأمام هذا التدخل، من الطبيعي أن يتخذ الرئيس الحريري مثل الموقف الذي اتخذه وابتعد عن المناورات الجارية على الساحة الداخلية من دون أن يعني ذلك اعتكافاً أو تهديداً بالاعتذار، وإنما العكس هو الصحيح فهو ليس في وارد الاعتكاف ولا في وارد الاعتذار عن مهمة تشكيل الحكومة، وهو في نفس الوقت يسمح بالانقلاب على اتفاق الطائف لجهة تهميش الطائفة السنية بالممارسة بعدما فشلت كل محاولات تغيير الطائف لمصلحة الطائفة الشيعية، وهذا من شأنه ان يضع رئيس الجمهورية أمام تحدي التوقيع على مرسوم التشكيلة الحكومية كما سلمه إياها الرئيس الحريري متجاوزاً بذلك محاولة حزب الله فرض إرادته على الجميع، خصوصاً بعدما أعلن رفضه لذلك، وعدم اعترافه بالوزراء السنة واما أن يتابع اتصالاته مع الحزب لاقناعه بالتراجع عن مطلبه غير المحق، وغير المسؤول في ذات الوقت حتى إذا ظل الحزب متمسكاً بمطلب اشراك أحد النواب السنة في الوزارة العتيدة، عمد إلى تحمل مسؤولياته الدستورية وأصدر مرسوم تشكيل الحكومة تاركاً لمجلس النواب أن يمنحها ثقته أو يحجبها عنها.