لا شك أنّ التمايز الذي حصل بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و«حزب الله» في مسألة تأليف الحكومة والعُقدة السنّية له بعض الأبعاد الحكومية، لكن في الأساس كان هذا رسالةً مدروسةً أراد عون توجيهَها الى ما وراءِ الحدود.
 

إنشغلت البلاد منذ مساء الأربعاء في تحليل الرسالة التي وجّهها الرئيس عون الى «حزب الله» بخصوص مسألة توزيرِ سنّيٍّ من خارج تيار «المستقبل». ففي وقت رأى البعض أنها خلافٌ على الحصص الوزاريّة فقط، إعتبرها البعض الآخر بداية تباين بين رئيس الجمهوريّة و«حزب الله».

كل تلك التحليلات قدّ تكون مبرَّرةً بسبب الغموض الذي رافق الموقف والصدمة التي أحدثها، لكنّ المعلومات وفق بعض المتابعين تشير الى أنّ موقف عون الأخير لم يكن زلّة لسان أو خطأً في التعبير، بل إنّه يحمل معاني أوسع.

وفي التفاصيل، فإنّ زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون المشرق والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا جويل رايبرن في الأيام الماضية، تركت بعض الترسّبات والتداعيات، فقد اجتمع رايبرن مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبعض القيادات من دون أن يلتقي عون.

وتمّ التطرق الى العقوبات المالية والمصرفية التي تفرضها واشنطن أو ستفرضها لاحقاً على «حزب الله» وحلفائه، وقد أكّد المسؤول الأميركي أنّ العقوبات والإجراءات الى تصاعد وليس هناك مِن تساهلٍ في هذا الملف.

وعندما سُئل رايبرن عمّا إذا كانت العقوبات ستشمل مسؤولين رسميّين أيضاً لا شركات وأشخاصاً على تعاون وثيق مع «حزب الله» فقط، أكّد المسؤولُ الأميركيّ أن لا فرق عندنا بين شخصٍ وآخر وبين مسؤولٍ رسميّ وغير رسميّ، فكل شخص حليفٌ لـ«حزب الله» ستشمله العقوبات المالية وحتى لو كان من كبار المسؤولين.

وبعد الإجتماعات، صعد أحدُ أصحاب المصارف الذي اطّلع على أجواء لقاءات رايبرن ومواقفه القاسية الى قصر بعبدا، وأعلم دوائرَ القصر بأنّ الأميركيين سيفرضون عقوباتٍ مالية على كل مسؤولٍ في الدولة حليفٍ لـ«حزب الله» أو مَن يُشتبه بتعاونه معه، وعندما علم عون بما حصل، طمأنه أنّه سيوجّه رسالة قريباً يُظهر فيها التباين في الموقف بينه وبين «حزب الله» لأنّ أحداً لا يعلم الى أين قد تذهب إدارةُ الرئيس دونالد ترامب في خطواتها التصعيديّة.

ويرى البعض أنّ العقدة السنّية قد أتت في الوقت المناسب لتوجيه عون مثل هكذا رسالة، وخصوصاً أنّ «حزب الله» أصرّ على توزير أحد السنّة المستقلين الذين يدورون في فلكِه.

وقد قال عون في مقابلته مساء الأربعاء إنّ مطلب السنّة المدعومين من «حزب الله» سبّب تأخيراً في التأليف، وهذا التأخير هو نوعٌ من التكتيك السياسي الذي يضرب استراتيجيّتنا الكبيرة، لافتاً الى أنهم أفراد وليسوا كتلة، ونحن نمثل الكتل ضمن معايير معيّنة، ولقد تجمّعوا أخيراً وطالبوا بتمثيلهم».

وفي قراءة لموقف عون، فقد أظهر الرئيس للأميركيين قبل غيرهم أنّ هناك تبايناً بينه وبين «حزب الله» وأنّه لا يبصم للحزب على كل ما يطلبه، وأنّ هناك فرقاً بين مسؤول في «جيب» الحزب وآخر يتعامل معه لأنّه قوّة أمر واقع، وبالتالي فإنّ هذا الأمر يُبيّن فصلاً من فصول العقدة السنّية وتشبّث عون بعدم إعطاء هذه الحقيبة الى السنّة الحلفاء لـ«حزب الله» ومساندة الحريري الذي يشكّل وجودُه عاملَ ثقة للمجتمع الدولي وللأميركيين.

من جهتها، تؤكّد مصادر بعبدا لـ«الجمهوريّة» أنّ «موقف رئيس الجمهوريّة من مسألة توزير النواب السنة خارج تيار «المستقبل» واضح وصريح وقدّ عبّر عنه عون باسترسال في مقابلته مساء الأربعاء الماضي حين إعتبر أنّهم ليس لديهم كتلة واحدة موحّدة، وأنهم موزعون على كتل عدّة».

الى ذلك، لا يبدو أنّ الموقف الأميركي في مسألة فرض عقوبات على «حزب الله» قابلٌ للتغيير في الوقت الراهن خصوصاً أنّ العقوبات على إيران تدخل حيّزَ التنفيذ الجدّي غداً.

ويردّد ترامب ومسؤولون في الإدارة الأميركية مواقفَ تؤكّد أنهم يريدون «قصقصة» جوانح طهران في المنطقة، وأبرز تلك الجوانح «حزب الله» والميليشيات الشيعيّة العراقية والحوثيين.

ويعلم المسؤولون اللبنانيون أنّ ترامب لا يمزح في مسألة العقوبات، وقد أكّد على مسامع الحريري عندما التقاه في البيت الأبيض في تموز 2017 أنّ «الحزب» خطر على لبنان والمنطقة».

كذلك، فإنّ القرارات الأميركيّة بشان هذه المسألة الى تصاعد لافت، ويتذكّر اللبنانيون الزيارات المتلاحقة التي قامت بها جمعية المصارف الى واشنطن ولجان برلمانية في العام الماضي من أجل حماية القطاع المصرفي من العقوبات التي ستُفرض على «حزب الله».

وتضاف الى كل هذا، الخطواتُ العملية التي باشرت بها وزارة الخزانة الأميركية، خصوصاً أنها وضعت رجل الأعمال اللبناني محمد عبد الله الأمين على لائحة الإرهاب، إضافة الى 7 شركات يشغّلها، علماً أنّ الأمين هو ابن عبد الله الأمين، نائب سابق وشغل منصب وزير العمل من 1992 الى 1995. كذلك، صادَق ترامب على قانونٍ أقرّه الكونغرس الأميركي يفرض عقوبات إضافية على «حزب الله» تزامناً مع ذكرى الهجوم الذي استهدف قوات «المارينز» في بيروت.

وفي أيار الماضي أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، فرض عقوبات جديدة على أفراد مرتبطين بـ«حزب الله»، شملت الأمين العام للحزب السيّد حسن نصر الله، ونائبه الشيّخ نعيم قاسم إضافة الى قياديّين. وفي أيلول الماضي، صوّت مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون، يفرض عقوبات أقسى على «حزب الله»، ويستهدف كل مَن يمّول الميليشيات ويزوّدها بالأسلحة.