الرضوخ للعقل الجمعي لا يؤدي إلى البحث عن التقبل من العامة فحسب بل قد يصل إلى التقبل الشخصي
 

يقول كارل ماركس: "البشرية لا تطرح على نفسها إلا تلك المسائل التي تقدر على حلّها؛ إلا تلك المسألة التي باتت شروط حلّها متوافرة لأنه لو دققنا النظر لوجدنا أن المشكلة نفسها لا تظهر إلا عندما توجد، أو تبدأ في الوجود الظروف المادية الكفيلة بحلّها."
ويقول ماو تسي تونغ: "من لم يقم بالتحقيقات لاحق له في الكلام
إذا لم تجروا تحقيقا حول إشكال ما، سنحرمكم من التحدث عنه. هل هذه قسوة؟ لا أبدا فمادمتم تجهلون عمق الإشكال، لأنكم لم تجروا تحقيقا حول وضعه الحالي وحول تاريخه،لن ترددوا عنه سوى الحماقات.
والحماقات كما يعرف الكل، لن تحل الإشكالات.فما الخطأ إذن في حرمانكم من الحق في الكلام عن هذا الإشكال؟
قوموا بالتحقيقات!
ولا تنطقوا بالحماقات !" 
ولكي نتجب الحماقات وجب علينا فرض القيام بالتحقيقات بطرح المسائل المعقدة وكيفية حلها عوضاً عن نطق الحماقات التي تُسقى للجماهير من قبل زعماء او رجال دين او اي مجموعات أخرى. 

العقل هو مصطلح يستعمل عادة لوصف القدرة على التمييز والادراك واتخاذ القرار بالاستفادة من بيانات للدماغ البشري وخاصة تلك الوظائف التي يكون فيها الإنسان واعيا بشكل شخصي مثل : الشخصية، التفكير، الجدل، الذاكرة، الذكاء، التحليل وحتى الانفعال العاطفي يعدها البعض ضمن وظائف العقل.
وهنا يتم تأثير المجموعة على الفرد او العكس بمخاطبة العاطفة فرجال الدين والزعماء يركزون بخطباتهم على علاقة العقل والروح بينما النظريات العلمية الحديثة تعتبر العقل ظاهرة تتعلق بعلم النفس. ولذلك تتفوق عمليات اللاوعي على العمليات العقلانية التي يقوم بها الفرد بوعيه.

العقل الجمعي أو ما يعرف (بالأثر الاجتماعي المعلوماتي أيضاً) ظاهرة نفسية تفترض فيها الجماهير أن تصرفات الجماعة في حالة معينة تعكس سلوكاً صحيحاً.ويتجلى تأثير العقل الجمعي في الحالات التي تسبب غموضاً اجتماعياً، وتفقد الجماهير قدرتها على تحديد السلوك  المناسب، وبدافع افتراض أن الآخرين يعرفون أكثر منهم عن تلك الحالة.
ان ظاهرة العقل الجمعي هي أحد أشكال الانصياع والإذعان. فعندما يفقد الفرد قدرته على اتخاذ موقف من أمر معين، يلجأ إلى الآخرين بحثاً عن مؤشرات وعن القرار الصحيح والموقف المناسب. عندما ننصاع بسبب أننا نؤمن أن تفسير الآخرين لهذا الموقف الغامض هو أكثر صواباً مما قد نختاره بأنفسنا، وسوف يساعدنا في تحديد ردة الفعل المناسبة" فهذا بسبب التأثير الاجتماعي المعلوماتي. وهذا عكس التأثير الاجتماعي الطبيعي حيث ينقاد الفرد لكي يكون محبوباً ويتقبله الآخرون.
ان الرضوخ للعقل الجمعي لا يؤدي إلى البحث عن التقبل من العامة فحسب بل قد يصل إلى التقبل الشخصي. كما يمتلك العقل الجمعي قيمته عندما يكون ما يهم هو أن تكون على حق في أعين الغير، وتعتقد بأن الآخرين هم أجدر بمعرفة الحق.   
يلخص غوستاف لوبون في كتابه (سيكولوجية الجماهير) نظريته حول الجمهور بجملة مسائل تتناوله بصفته ظاهرة اجتماعية، تفسر عملية التحريض التي يخضع لها بأنها عملية انحلال الافراد في الجمهور والذوبان الكلي فيه. من هنا يمكن تفسير الدور الذي يلعبه القائد او رجل الدين او حكم مباراة او اي مسؤول كان  في تحريك الجماهير حيث يقوم بالدور اياه الذي يقوم به التنويم المغناطيسي، على غرار ما يقوم به الطبيب النفسي في علاجه لمريضه. اثبتت معاينة الحركات الجماهيرية وقائع عدة في مقدمتها أن هذا الجمهور يمتلك وحدة ذهنية، ويتحرك بشكل لا واعي مما يجعل الجماهير  سريعة الانفعال وساذجة وسريعة تصديق اي شي لانها تتميز بالتعصب و الاستبداد مما يجعلها تقبل عقائد وأحكام او ترفضها دفعة واحدة. ولان هذه الجماهير تتخاطب من عواطفها فهي قادرة على تدمير والتضحية في نفس الوقت. 

"لا ينبغي ان يكون في جمهوريات الاتحاد السوفييتي أطفال مرضى او اطفال شوارع. جيل صحي جسدياً وروحياً هو مؤيد قوي لأفكار الشيوعية!(ملصقات سوفييتية)." 
عندما تكون الجماهير على درجة عالية من الثقافة  والتعليم في بلد تحكمه سلطة تحترم حرية الرأي وتقدر الوعي العقلاني لدى الشعب تحتل الموضوعية المساحة الأكبر  بين الطرفين.اما اذا كان عكس ذلك وتعتمد السلطة في خطباتها تزيف الحقائق من خلال الخداع والنفاق مما يجعل الشعب مع مرور الوقت الى قطيع يقبل الذل ويتبهى في الدفاع عنه. 

أرى أن العادات والتقاليد هي جوهر الخطيب في القضاء على وعي العقلاني لدى الشعوب حيث تم استغلال ممارسة الشعوب لعداتهم وتقاليدهم لتحقيق أهداف، منها سياسية ودينية.  

في هذا المقال عدة اقاويل ممكن اكون من مؤيدي قائلها أو العكس ولكن ليس بمهم من القائل بل مضمون القول ومتى نستخدمه لكي لا نكون عرضة لنطق الحماقات. كما يحمل عدد من البحث العلمي مع مساحة صغيرة للرأي كي يسمح للقارئ بتحليل ما ذكر.