لو لمْ أتصفّح الدستور وأقرأ: «لبنان وطن سيد حـرّ مستقل، ودولة مستقلة وجمهورية ديمقراطية برلمانية، وعضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية، وعضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة...» لو لمْ تقع يدي على الدستور، لما كنتُ تذكّرتُ أننا نعيش في وطن وجمهورية ودولة.

هذا اللبنان الذي كان عضواً مؤسِّساً في المنظمات الدولية وشرعة حقوق الإنسان، والذي عمره ستة ألآف سنة أصبح وطناً بلا دولة، ودولة كأنها لا تزال في مرحلة تأسيسية.

أيُّ دولة هذه، لا حُرمةَ فيها للقواعد الدستورية والضوابط القانونية والقيَم الأخلاقية..؟

وأيّ جمهورية هي، تظلّ من دون رئيس في غيـبوبة العناية الفائقة على مدى سنتين ونصف السنة...؟

وأيّ جمهورية هذه، لا تتألف حكومة فيها إلّا بعد قتال مدمّى بالسلاح الأبيض، وبعد استئذان «أبيهم» الذي في سماوات الخارج.

لا حكومة من دوننا... من دون أحجامنا...

لا حكومة من دونهم... من دون حلفائنا...

لا حكومة من دون الوزارات السيادية لنا...

ولا حكومة بالوزارات الأساسية لهم...

وتأتي خلفية الإصرار على تمثيل تكتّل السنّة المستقلين كنقطة الماء التي رشَحتْ بها الكأس، أو كوسيلة اختراق تـثير حساسية الصراع المذهبي: المحلّي والإقليمي.

وتظلّ حجّة الأقوى هي السائدة في مثَلِ الذئب والحمَل للشاعر الفرنسي لافونتين، ونحن نشهد نزف الجروح... وكلما داويتَ جرحاً سالَ جرحُ.

المشاروات التي رافقت تأليف الحكومة كانت أشبه بالمسرحيات الهزلية وأضحوكةِ الصبيان في بلدٍ نترحَّم فيه على الرجال... والكتل النيابية والأحزاب تتعامل مع تأليف الحكومة كأنها مجموعة من السماسرة والمرابين في الهيكل المقدّس الذي أصبح مغارةً للصوص، كلٌ ينتزع لنفسه حصّةً وزارية يرفض التنازل عنها، فإذا الوزراء الذين يُفترض أن يكونوا حكاماً، يتحوَّلون الى أسهم وحصص تتقاسمها الأحزاب في شركة لبنانية تجارية مساهمة.

ولكن، ماذا عن الإنهيار الكبير الذي يهدّد المصير...؟ والفواجع المالية والإقتصادية التي لـوّح بها تقرير المرصد الإقتصادي للبنك الدولي: «بأنّ المخاطر ترتفع على لبنان في شكل حادّ»، إذا لم تتألف الحكومة؟

لعلّهم يفضلون اللاّحكومة على الحكومة، فإذا حكومة تصريف الأعمال تحقق لهم في ظلّ التصرّف الدستوري «الضيِّق» تصرّفاً أوسع بالفرص والأسهم والحصص، فالحكم بين الحكم واللّاحكم، والحكومة مسؤولة وغير مسؤولة، فلا خوف من إقالة حكومة مستقيلة، ولا خوف من طرح الثقة لإسقاط حكومة ساقطة.

أو لعلّهم يحاولون إحراج رئيس الحكومة المكلّف لإخراجه فتصبح البلاد سائبة تعلّم المزيد من الحرام.

رئيس الحكومة المكلّف في حلقة حوارية ضمن «منتدى مستقبل الإستثمار» المنعقد في الرياض، قالها على سبيل النكتة متمنّياً لو أنّ الحكومة تكون كلّها من النساء.

ما رأيكم عند الحَرج وضيق الفرَج لو أنّ الرئيس المكلّف جعل النكتة «شرعيةً» فألّفها تشكيلةً من النساء ورشقها في وجه أشباه الرجال كموقف إعتراضي صادم، يغادر بعده مهّمة التكليفِ كرجل.

أيها الناس، لقد أنهكَنا التعب حتى الإرهاق في وطنٍ أصبحت الدولة فيه ملكاً خاصاً في أرض الفضائح العفنة، فبتنا نكره هذه الدولة بفضل مَنْ جعلها في حالة انشطار بينها وبين الشعب، وحسبنا أن نستشهد بدولة الشاعر أحمد شوقي التي تألَّفت من غير الآدميين فقيل في رئيسها:

فَراعَ ربَّ الجوقِ ما قدْ سمِعا        ثـم جَثـا لربِّـهِ وضـرَعـا

وقال يا صاحبَ هذي الليّلهْ        سألتُكَ الموتَ ولا ذي الدولة.