لا أحد هنا في ديربورن بات يهتمّ ما إذا كانت الحكومة شُكِّلت أو ستشكَّل. ولا أحد يهتم، أو كان يهتم لأحد الأطراف «الوطنية» في التمسّك بعديده وحقائبه الوزارية.
 

في اليومين الأوّلين لوصولي اعتقد اللبنانيون هنا أنني ربما أعرف أكثر منهم عن الأسرار المتعلقة بتأليف الحكومة ثمّ سرعان ما لمسوا أنني لا أعرف أكثر منهم وأنني لا أحمل اليهم أيّ كلمة سرّ، وكذلك أبدو متفاجِئاً ببعض اسئلتهم عن توزير فلان أو فلتان أو علتان، وأنني أبدو أحياناً كثيرة مثل أرنب مذعور من الأسئلة المقبلة، عدا عن اكتشافي بسرعة أنني شخصياً لا أهتم سواء تألفت الحكومة أو لم تؤلف، فاستعادة الثقة بالدولة وأدوارها بالنسبة اليّ أمر لا يتوقف على تأليف الحكومة بل يتجاوز ذلك لاقتناعي بأنّ الأمن الوطني بات راسخاً وإن ارتفع التهديد بعدوان إسرائيلي محتمل، وكذلك تمّ القضاءُ على أيّ تهديد إرهابي عبر الحدود السيادية وعلى حدود المجتمع، وأنه تمّ تفكيك كل الخلايا الداعشية النائمة في مخيمات النازحين من الأشقاء السوريين وانتفت الحاجة الى تهديد لبنان بإرباكات أمنية محلية.

هنا في ديربورن الناس تشتاق للوطن نعم، ولكنها أمرها بالشكوى الى الله العلي القدير ممّا أصابها في الوطن من المطار الى المطار من انتكاسات وخذلان والبلد الأغلى في العالم إبتداءً من المطاعم والفنادق الى سعر السمك عند الباعة المتجوّلين، فالمغتربون يشقون ويتعبون بغية جمع بعض المال لقضاء إجازاتهم في الوطن ولا يجدون المال على قارعة الطريق، ثمّ إنهم يشكون من شبه الإقامة الجبرية المفروضة عليهم جراء إرساء ثقافات «جديدة» واستتباعاتها «الفلكلورية».

هنا في ديربورن يضحكون من ديموقراطيّتنا ونسبيتنا ويسألون بسخرية عن أحوال الكهرباء وتلك المحمولة بحراً وعن مياه الشفه والاستخدام ومصير الثروة المائية الجوفية والجارية، ويحكون لي حكايات عن الليطاني غير تلك التي أعرفها وتنظيف حوضه ومجراه.

هنا في ديربورن لديهم مئات الشبان المتخرّجين، بل آلاف الشبان من الجنسين والذين يجدون فرصاً للعمل بعكس أسواق العمل والاختصاصات عندنا، ولكن هنا هموم أفراد الجالية مختلفة لعلّ أحد تلك الهموم: الطلاق.

وأحد الهموم الأُخرى الأساسية: المخدّرات المتفشية في صفوف الشبان، ووسائل مكافحة الإدمان عليها، ولكنهم هنا في الولايات الاميركية المتحدة لديهم قوانين تُنفّذ ولا يتجرّأ أحد على تجاهل القانون أو التعسّف في استخدامه أو الإساءة الى استخدامه. هم غيرنا عندهم دولة ملموسة، محسوسة، ولديهم قانون اجتماعي متميّز ولا يجوز لنا الخلط بين سياستهم الخارجية وبين أنظمتهم الاجتماعية.

أجيال الجالية، بعضها يتنقل من دعوة الى الإفطار- الغداء، أو العشاء على شرف أحد القادمين أو لجمع المال لمشاريع مختلفة وبعض افراد الجالية له توجّهات مختلفه ثقافية أو علمية، ولكنّ الجالية تنقسم عمودياً بين «دقة قديمة» وبعضها عصريّ جداً، سواءٌ عبر انخراطه في عصر الاتصالات أو ثقافة الجيل الجديد حتى في عصرنة التزاماته السياسية المحلّية أو عبر الحدود نحو الشرق.

هنا أجيال الجالية، باتت تعيش في عالمها وتنسجم مع طبيعة الحياة الأميركية ومتطلباتها ولا وقت لديها تصرفه على الاتصالات (!) الجارية لتأليف الحكومة اللبنانية أو العربية (تأليف الحكومة العراقية أو المسألة اليمنية). أجيال تصدّق أنّ عرقلة تأليف الحكومات تتمّ بأيدٍ محلية لأسباب خارجية إقليمية ودولية.

لذلك هي تدير ظهرها للمشكلات اللبنانية ـ العربية وتنصرف الى ديموقراطيّاتها التي تربّت عليها، والى المنتخبين اساساً، والى العمل لضمان نجاح المرشحين لمختلف المناصب والتي ستجرى انتخاباتها في 7 تشرين الثاني الجاري ومن ابرز الشخصيات من اصول عربية ولبنانية ضمناً الذين يتولّون مسؤوليات والمرشحين للمناصب الجديدة السيدات والسادة:

رشيدة طليب (الفلسطينية الاصل) والمرشحة الديموقراطية لعضوية الكونغرس وهي تُعتبر فائزة لعدم وجود منافس لها من الحزب الجمهوري.

وعن سلك القضاة (السلطة التانية) القاضي سالم سلامة، القاضي ديفيد طرفة، القاضي مريم سعد بزي، القاضي عادل حرب، والقاضي شارلين الدر.

وعلى مستوى انتخابات سلطة الولاية: عبد الله حمود المرشح لعضوية كونغرس الولاية (أصغر الأعضاء سناً).

وعلى مستوى المقاطعة عبد الحسين هيدوس وحسان بيضون كمفوّضين في مقاطعة «وين» وهو ما يعادل (اعضاء مجلس وزراء المقاطعة).

والجدير ذكره أنّ رئيس شرطة المقاطعة هو مايك جعفر ومسؤول الامن الداخلي أخوه سام جعفر (من اصول بنت جبيلية لبنانية) ويذكر أيضاً أنّ رئيس فريق عمل حاكم مقاطعة «وين» هو أسعد طرفة، فيما شغلت منصب رئيسة الدوائر القضائية المحامية زينة الحسن.

الى ذلك، فإنّ مجالس المدن البلدية كبلدية ديربورن تعود رئاستها الى السيدة سوزان دباجة ونائبها المحامي مايك سرعيني. كذلك يتكرّر الأمر في مدينة ديربورن هايتس حيث يتولّى السيد بيل بزي منصب نائب رئيس المجلس البلدي، في حين أنّ السيد ديفيدعبدالله هو عضو في المجلس البلدي.

وفي المجالس التربوية (التي هي وزارات تربية محلية للمدن) فإنّ المحامية فدوى حمود والسيد حسين بري يتوليان منصب أمينين في المجلس، وتتولّى السيدة ناديا بري المنصب نفسه في بلدية ديربورن هايتس.

أما في مكتب الادّعاء الفيدرالي فإنّ المحامي عبد حمود يتولّى منصب مساعد المدعي العام الفيدرالي في حين تتولّى السيدة فدوى حمود منصب مساعد المدعي العام لمقاطعة «وين» وفي محكمة ديربورن. فبالاضافة الى القاضي الأوّل سالم سلامة يوجد ثلاث قضاة مساعدون هم المحامون: هلال فرحات، دريد الدر، علي حمود، إضافة الى كثيرين ممّن لم أتمكّن من الإحاطة بمعلومات عنهم.

ومن المرشحين الى المجلس التربوي في مدينة ديربورن الأستاذ خليل الصغير والسيدة امانة فيدامة (اول يمنية تترشح الى منصب عام في مدينة ديربورن) وبلال ايمن وعادل معزب (الجالية اليمنية) والسيدة عفاف احمد.

المغتربون في ديربورن بعيداً عن طائفيتنا ومذهبيتنا وفئويتنا وجهويتنا يندمجون حيث هم في حياة المجتمع والدولة يترشحون من خلال أحد الحزبين الجمهوري أو الديموقراطي، ينتخبون وفق مصالحهم.

الشوارع هناك لا «تغصّ» بمياه المطر والمنازل بالنيات الحسنة، ولم يعد للمغتربين أن يحبّوا الوطن من طرف واحد.. أسعدهم الله وأبعدهم عنا وعن مصائبنا السود وحكومتنا وأدوارها المؤجّلة.