فعلها سمير جعجع، وأظهر براغماتية مشهودة..
 

بعد أن سلكتْ "عقدة القوّات" اللبنانيّة طريق الحلّ نحو تأليف الحكومة، برزت في المرحلة الأخيرة لإعلان الرئيس المكلّف سعد الحريري تشكيل حكومته أزمة تمثيل "سنّة 8 آذار"، من خارج تيّار المستقبل، أو السنّة المستقلين. وهذه "العقدة السنيّة" تطورت، بعد أن رفع حزب الله السقف وأعلن تمسكه بتوزيرهم ، وأنّه لن يسلّم أسماء وزرائه إذا لم يُمثل هؤلاء في الحكومة. انتظر اللبنانيون خمسة أشهر ونيف تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية الأخيرة، وقد كانوا حتى يوم أمس، يضعون أياديهم على قلوبهم خشية ان يحصل مزيداً من المماطلة والدوران في حلقات الشروط المفرغة، وإضاعة الوقت.. إلى أن أطل رئيس "القوات اللبنانية" سمير جعجع، بعد اجتماع كتلة "الجمهورية القوية" وليعلن قراره النهائي بالمشاركة في الحكومة.. فعلها سمير جعجع، وأظهر براغماتية مشهودة.. 

وفي هذا السياق أيّاً كانت الصيغة التي انتهت اليها أزمة تمثيل "القوات اللبنانية" في الحكومة، فإنّ عقدة تمثيل نواب «سنّة 8 آذار» ستكون الأصعب، ليس لسبب، بل لتأجيل البحث في عقدة أكثر أهمية وأكثر خطورة وهي تمثيل "حزب الله" ربطاً بالرفض الأميركي. وإذا تجاوزها الرئيس المكلف في تشكيلته بالتكافل والتضامن مع رئيس الجمهورية، فإنها ستلاحق الحكومة الى ما بعد عملية التأليف وسط مخاوف من تردداتها لاحقاً. فمن سيدفع الثمن عندها؟ 

لا يتطلّع المتخوفون من عقدة التمثيل السني، إن تعاظمت، إلّا من باب تأجيل بلوغ الاستحقاق الأكثر خطورة، والذي يتمثل في شكل مشاركة "حزب الله"في الحكومة وحجمها بحصته الكاملة والوازنة. 

لكنّ الظروف قد تغيرت هذه المرة في المنطقة ولبنان، وبات الحزب على لائحة "المنظمات" الإجرامية التي يجب محاصرتها ووقف تمويلها، كما قال القانون الأميركي الجديد الذي أضاف عقوبات اكثر تشدداً مما لحظته القرارات السابقة، التي بوشر بتطبيقها في الولايات المتحدة الأميركية ومعظم دول العالم كما في معظم المنظمات العربية والإقليمية. وعليه، بات من الواضح انّ الحزب تجاوز نهائياً المرحلة التي كانت تكتسب فيها مشاركته في الحكومات السابقة بوجوه شيعية غير حزبية، تدور في فلكه. 

إقرأ أيضًا: حديث عن ولادة حكومية قريبة… فهل ستحصل!

لم يتوقف الحديث عن عقدة تمثيل"نواب سنة 8 آذار" قبل بلوغ عقدة تمثيل "حزب الله" عند هذه المعطيات، والتي لا بد من التذكير بها والإضاءة عليها للإشارة الى المخاوف الناجمة من "الفيتو" الاميركي على مشاركة الحزب في الشكل المتوقع في الحكومة العتيدة. والى ما ترجمته هذه الإدارة من قرارات متشددة في حقه، فقد جاء توقيت الإعلان عن توقيع القانون الجديد الذي يستهدفه في مصادر تمويله في الذكرى الـ35 لتفجيره مقر المارينز عام 1983، ليشكل رسالة واضحة شكلاً ومضموناً، وليعطي إشارة الى حجم الإصرار الاميركي على معاقبته قبل بدء تطبيق الرزمة الثانية من العقوبات على ايران وحلفائها على رغم ما ستلحقه هذه العقوبات من أضرار جسيمة بمصالح الحزب وبيئته المذهبية والمالية، وحتى السياسية منها في لبنان والمنطقة والعالم. والى هذه المخاوف من حجم العقد المتوقعة، لا يغفل العارفون بكثير ممّا يدبّر للبنان، وأخطره أن تتوسع العقوبات الأميركية في حال تم تجاهلها على المستوى الحكومي لتشمل سياسيين لبنانيين في مواقع حساسة. فهناك ما يُنذِر بكثير مما هو متوقع في حال صحت بعض الإشارات السلبية التي سجلت الى الآن. فالمقاطعة الديبلوماسية التي تمارسها السفارة الأميركية في بيروت بحق رئاسة الجمهورية منذ ايلول الماضي تنذر بكثير من المخاطر. ولا يغفل المراقبون انّ هذه التدابير تزامنت مع توجهات مشابهة طاولت وزير الخارجية في الفترة الأخيرة، وتُرجِمَت مقاطعة شاملة له من خلال رفض السفيرة الأميركية في بيروت اليزابيت ريتشارد المشاركة في لقاء طلبه مع مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان قبل فترة عند وقف تمويل إدارتها لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، ولم تشارك السفارة مع بقية الديبلوماسيين في الزيارة التي نظّمتها وزارة الخارجية الى المنطقة المحيطة بمطار بيروت للردّ على الاتهامات الاسرائيلية بوجود صواريخ لـحزب الله. وليس آخر اشكال هذه المقاطعة في تجاهل قصرَي بعبدا وبسترس، عندما زار نائب مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون المشرق والمبعوث الأميركي الخاص إلى سوريا، جويل رايبرن، لبنان أخيراً. وإذا صحّت هذه السيناريوهات السلبية، لا بد من طرح أسئلة، أبرزها ما يتصل بطريقة الإخراج التي سترافق الإعلان عن التشكيلة الحكومية إن جرى ذلك في الساعات المقبلة. وكيف سيتجاوز الرئيس المكلف ومعه رئيس الجمهورية كل هذه العقد التي تعاظمت اخيراً؟ وإذا تمّ تجاوزها فكيف ستتجاوز الحكومة كل هذه المطبّات ومن سيسدد الثمن عند الاستحقاق العهد أم الحكومة أو البلد برمته؟ ختاماً يدور البلد في حلقة مفرغة.. 

وما يحصل داخله لا علاقة له بالديموقراطية، لا من قريب ولا من بعيد، والغالبية الساحقة من القوى النيابية الوازنة، هي وليدة قانون انتخابي مسخ، فصل على مقاسات وتطلعات "حراس الهيكل"..