في انتظار حلّ العقدة السنّية التي خبّأها «حزب الله» خلف العقدتين المسيحية والدرزية طوال ستة أشهر، بدأ كل طرف مسيحي بطرح حسابات الربح والخسارة، كلّ من منظاره، وكلّ حسب رؤيته لمسار التفاوض العسير.
 

لا شك في أنّ ترسيم حدود الأحجام بين «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» كان الأبرز، إذ تمّ تخطّي «اتّفاق معراب» كلياً وانطلق الطرفان الى محاولة تأكيد الحضور في الانتخابات النيابية ومن ثمّ في تأليف الحكومة التي يُجمع المراقبون على اعتبار أنّ عمرها سيكون الأطول وأنّ تاريخ ميلادها سيكون بدايةً لمواكبة عهد العماد ميشال عون حتى نهايته.

في الحسابات الأوّلية للترسيمات المسيحية يمكن بكل وضوح القول إنّ «التيار الوطني الحر» قد حقّق مكاسب كبيرة واستطاع تحجيم حصة «القوات اللبنانية» بعد نزاع طويل أدّى في النهاية الى إقصاء «القوات» عن الوزارات السيادية، والأساسية، بحيث أُعطيت من الحقائب ما تبقّى منها وما لم يكن أصلاً معروضاً للمنافسة.

هذه الصورة تقابلها قراءةٌ أخرى من الزاوية المقابلة، وتشير هذه القراءة التي تتبنّاها «القوات» ومحازبوها، الى جملة عوامل وأسباب، ونتائج كلها خلصت الى تأكيد خروج «القوات» بإنجاز حكومي، لا يمكن تحديده بدقة إلاّ بعد سرد كل مرحلة التكليف والتأليف.

فبالعودة الى الأيام الأولى للتكليف، بدا واضحاً أنّ مؤشرات تدلّ الى وجود نيّة بتحجيم حصة «القوات» عدَدياً ونوعياً، في سياق إضعاف حضور أصدقائها وحلفائها، وأبرزهم الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط.

ويقول أصحاب هذه القراءة إنّ الهدف الأكثر طموحاً كان إحراج «القوات» لإخراجها، وهذا ما كان سيؤدّي الى محاصرتها وضربها، وكانت الخطة تحديد حجم الحريري بـ 5 وزراء، و«القوات» بـ 3 وزراء، وجنبلاط بوزيرَين، والمعنى واضح: لا يُفترض أن يزيد عدد وزراء هذه القوى الثلاث عن عشرة وزراء، لكي يدخلوا الحكومة مجرّدين من القدرة على قول الـ«لا»، ولكي يتمّ إنهاكُ الحريري في إدارته جلسات مجلس الوزراء، وهو القادر، بحكم صلاحياته الدستورية، على ممارسة فرملةِ ما يمكن أن يصدر من قرارات عبر وضع جدول الأعمال، أو الامتناع عن الدعوة الى عقد جلسة للحكومة، أو الاستقالة، أي استقالة الحكومة حين تدعو الحاجة، فهذه الأسلحة الدستورية لا يمكن استعمالُها في كل جلسة للحكومة.

ويضيف أصحاب هذه القراءة «أنّ الضغط لتصغير حصة جنبلاط نجح بحيث أصبحت وزيرين، لكن فشِل في ما يتعلّق بـ«القوات» التي نالت أربعة وزراء، وهذا يعني كثيراً في الموضوع العددي، ولهذا كان لافتاً أنّ الامين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله وفي اليوم نفسه الذي تأكّد من مرونة موقف «القوات» في عدم الإصرار على وزارة العدل، كشف العقدة السنّية المخبّأة لكي يربط النزاع، بعدما حُلّت كل العقد الأخرى، وهذا يؤشر الى أنّ «حزب الله» وضع نصب عينيه تحقيق هندسة عددية محدّدة للحكومة، ومن هنا يأتي إصرارُه على توزير أحد حلفائه السنّة من حصة الحريري السنّية لكي يخفّض هذه الحصة، ويعطي حلفاءَه السنّة موقعاً في السلطة التنفيذية، يؤهّلهم لتحضير أنفسهم للانتخابات النيابية المقبلة.

وانطلاقاً من القاعدة النسبيّة التي تُقاس على أساسها ظروف التأليف وتوازنات الحكومة التي ستولد إذا لم تكُن وراء العقدة السنّية قُطَبٌ مخفيّة، فإنّ هدف إخراج «القوات» لم يتحقق، وهدف تحجيمها لم يتحقق، وهدف إدخال الحريري ضعيفاً الى الحكومة لم يتحقق الى الآن، ذلك على رغم أنّ «القوات» تنازلت نوعيّاً في مسألة الحقائب، وجنبلاط تنازل عددياً، لكن تبقى حصة الحريري السنّية العنوان الأبرز لمسار عمل الحكومة المقبلة، وعدم قبوله التنازل، يعني أنّ ولادة الحكومة لم تصبح قريبة، وأنّ ما لم يتحقق، في رأي المراقبين، في موضوع الحصة «القواتية» على يد الوزير جبران باسيل وحلفائه، لن يتحقق في موضوع حصة «المستقبل».