الرئيس دونالد ترامب، لم يعد حالة استثنائية. أصبح مثالاً ينتشر بسرعة على مساحة العالم، ويخترق حتى أهم الديموقراطيات. ترامب المتأهّب لمواجهة الناخبين الأميركيين بعد أسبوع، يكسب قوّة دفع معنوية خارجية مع انتخاب البرازيلي جايير بولسونارو رئيساً للبرازيل. يمكن لترامب أن يقول على طريقته أصبحت: «تياراً».. الرئيس البرازيلي الجديد واحد من «أسرتي». لذا بدا طبيعياً أن يُهنّئ ترامب نظيره البرازيلي الجديد بهذا «الانتصار التاريخي».

فوز بولسونارو، بفارق خمس نقاط، على خصمه اليساري فرناندو حداد (اللبناني الأصل)، يُشكّل تحوّلاً ضخماً. البرازيل ليست دولة عادية، على المستويين الأميركي اللاتيني والعالمي. وهي بلا شك، وكما أثبتت كل المسارات السياسية التي عصفت بأميركا اللاتينية، شكّلت محور شدّ وجذب نحوها. منذ سقط الحكم العسكري عام 1985 بعد أن استولى على السلطة عام 1964، توالى سقوط العسكر والديكتاتوريات في أميركا اللاتينية.

الرئيس الجديد بولسونارو، أمضى 27 عاماً نائباً في البرلمان، تنقّل فيها بين أربعة أحزاب حتى انضمّ وترشّح أخيراً عن «الحزب الاشتراكي الليبرالي»، وهو لا يخفي يمينيته المتطرّفة، ولم يلتزم بأحد طويلاً سوى بمصلحته وهو القادم من فرقة المظلّيين. كثيرون في البرازيل وأميركا اللاتينية يعتبرونه «أشد خطورة من ترامب»، لأنه وهو الذي يترأس الآن «رابع أكبر ديموقراطية في العالم»، يُساند عمليات القتل خارج القضاء. بذلك يبدو أقرب إلى الرئيس الفيليبيني رودريغو دوتيرتي، وهو أيضاً مناهض للمرأة واللاجئين والمثليين. يقول الرئيس البرازيلي الجديد «لا يمكننا الاستمرار في مغازلة الاشتراكية والشيوعية والشعوبية وتطرّف اليسار»، أي باختصار هو ضد كل هؤلاء.

بولسونارو القادم من عائلة مهاجرين إيطالية، مع نهاية الحرب العالمية الثانية وجد في اليمين المتطرف الإيطالي دعماً مفتوحاً ومتحمّساً له من ماتيو سالفيني الذي هتف «طردوا اليسار في البرازيل»، ومن مارين لوبين الفرنسية التي تمنّت له «حظاً موفّقاً».

خطر الرئيس البرازيلي، ظاهر في انتعاش اليمين المُتشدّد وحتى المتطرّف في أميركا اللاتينية. رؤساء كلٍ من: المكسيك والأرجنتين وكولومبيا والبيرو والتشيلي وباراغواي سارعوا إلى تهنئته. ما يرفع حجم الخطر في أميركا اللاتينية أن الكنيسة الكاثوليكية التي قادت عملية إنضاج الثورات في أميركا اللاتينية ونجحت في إسقاط أنظمة «جمهوريات الموز»، لعبت دوراً مركزياً في فوز بولسونارو.

«13 سنة من أسوأ أنواع الركود وفضائح الفساد والرشوة»، أنتجت هذا الفوز الساحق للرئيس اليميني المُتشدّد الذي لا يفقه باعترافه شيئاً في الاقتصاد. البرازيليون تعبوا من اليسار الفاسد، فاتجهوا نحو اليمين المتطرّف. فشل اليسار البرازيلي خاصة والأميركي اللاتيني عامة، واليسار في الحكم في مختلف أنحاء العالم الديموقراطي، يفتح الباب نحو تشريع اليمين المتطرّف. مما يخلق حالة قدّم العالم الكثير من الخراب والدماء للتخلّص منها، خصوصاً في أميركا اللاتينية، وقبلها بكثير في أوروبا. ما يؤكد حصول إعادة توجيه عامة سياسية، أن اليمين المتطرّف يغزو حالياً أوروبا الغربية. وفي مرحلة تعود فيها حالة «الحرب الباردة» بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية وبينهما «التنّين الصيني»، يصبح الخطر مضاعفاً. اليمين المتطرف يُشكل «عود الثقاب»، لإشعال «الغابات الجافة» من كل شيء ما عدا الأحقاد.

لا شيء يمنع الآن من تشريع ترامب ومنحه القوة لاستعادة حضوره القوي في مجلس الشيوخ، فـ«الترامبية» تصبح بخير مع وجود قادة من نوع بولسونارو على مرمى حجر من حدود الولايات المتحدة الأميركية. فوز ترامب بمجلس الشيوخ يمنحه الفرصة لدخول انتخابات الولاية الرئاسية الثانية بقوة. فماذا سيفعل العالم أمامه غير مهادنته إذا أصبحت المواجهة عالية الثمن ومن دون نتائج إيجابية يمكن صرفها سياسياً؟

لا شك أن نقطة المواجهة القادمة في هذه الحالة ستكون فرنسا. حيث «التصحر» السياسي الذي أنتج إيمانويل ماكرون أثبت أنه لا يكفي أن يقول الرئيس إنه استثنائي حتى يصبح استثنائياً. وإذا لم يحدث تحوّل كبير، فإن خطر اليمين المتطرف سيتضخم في فرنسا.

أما في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً في العالم الإسلامي، فقد أنتج فشل «الإسلام السياسي» صعود فكر «الإسلام الداعشي» على يمين «القاعدة» وأخواتها. والسؤال ماذا سيحدث إذا لم يتم القضاء بسرعة على «داعش» وأخواتها؟

ما يرفع منسوب خطر «داعش» أن المعارك تؤكد يوماً بعد يوم أن «خيوطاً عنكبوتية» تربطها بقوى داخلية. معركة «دير الزور» وعودة هيمنة «داعش» على هذه النقطة الحساسة، تؤشر وحتى أنها تؤكد على وجود قوى تملك السلطة والمال والقرار تدعم «داعش»، على قاعدة أنه في مواجهة الآخرين ليكون التطرّف هو الحل، وهو البديل القاتل.

في قلب كل هذه التحولات ماذا عن إيران؟

تأمل القيادة السياسية أن لا يبقى دونالد ترامب في البيت الأبيض، أكثر من عامين يكون مشغولاً فيهما بتسيير أمور أميركا الداخلية. وهي ترى أنها قادرة على المقاومة والبقاء قوية خلال هذين العامين. أما إذا تحول ترامب و«الترامبية» إلى حالة تستمر ولاية ثانيةّ فإنها غير قادرة بالتأكيد على المواجهة والصمود.

لذلك تسعى طهران إلى الالتفاف على كل المرحلة، بالعمل على فتح جميع الأبواب الموصدة أمامها. بعيداً عن التشدد السياسي الخطابي، والتظاهرات العسكرية المضحكة – المبكية كما حصل مع تحويل فيديو مرور زورق حربي صغير أمام حاملة الطائرات المتواجد فيها الجنرال فوتيل العائد من قاعدة «التنف» شرقي الفرات إلى حدث سياسي يتم وصفه بالتحدّي الثوري. كل هذا في وقت صمتت فيه طهران عن زيارة نتنياهو إلى حليفها السلطان قابوس، واكتفت باتهام «اللوبي الصهيوني في البيت الأبيض والإدارة الأميركية بفرض الزيارة»، علماً أن سلطنة عُمان سبق لها أن استقبلت عام 1996 شيمون بيريز، وهي كانت وما زالت تشكّل «الحديقة الخلفية» لإيران في المنطقة «والعلبة السوداء» لكل اتصالاتها الأميركية. النائب جواد كريمي قدسي كشف عن اتصالات أميركية – إيرانية عبر عُمان، ما اضطر وزارة الخارجية إلى اتهامه «بأنه يقع في فخ يؤدي إلى توتير المجتمع».

إيران ومعها العالم في انتطار وترقب لموعدَين مع واشنطن: الأول تنفيذ العقوبات الأميركية والثاني الانتخابات النصفية.. بعدهما لكل حادث حديث، خصوصاً أن المواجهة طويلة.