على القوات اللبنانية أن تحسبها جيداً هذه المرة وأن لا تتهور بخيارات قد تدفع ثمنها لاحقاً، وحينها لا ينفع الندم
 

الإشارات والتلميحات إلى عدم مشاركة حزب القوات اللبنانية في الحكومة المقبلة أصبحت قوية ولم تعد مقتصرة على التسريبات الصحافية بل باتت على لسان مسؤولين رسميين فيها كالنائب جورج عدوان.

وسيُعقد اليوم إجتماع لتكتل "الجمهورية القوية" برئاسة الدكتور سمير جعجع في معراب، ومن المتوقع أن يصدر عنه كلام حاسم حول موضوع الحكومة المقبلة.

إلاّ أن الأبرز في كل ما وصلنا إليه اليوم هو هذه النتيجة المفاجئة في حال فعلاً قرّرت القوات إتخاذ قرار بعدم المشاركة. 

فمسار تشكيل الحكومة واجه العديد من العقد، ليس فقط العقدة المسيحية، من العقدة الدرزية وصولاً إلى عقدة وزارة الصحة وليس إنتهاءاً بعقدة توزير سنة ٨ آذار، وهي عقد بمعظمها تم حلها مبدئياً بما يرضي أصحابها، بإستثناء العقدة المسيحية حيث جرى إعدادها من قبل التيار الوطني الحر بطريقة تم إبتزاز فيها القوات اللبنانية.

وهذا ظهر جلياً في الكم الهائل من التسريبات والمقالات التي حاولت وضع القوات أمام معادلة إما القبول بما يُملى عليها أو أنها هي فعلاً تستجيب لأجندة خارجية بالتعطيل أي تخوين القوات.

إقرأ أيضًا: ما هي العوائق التي تمنع تشكيل الحكومة حتى الآن؟

هذه المحاولات من التيار الوطني الحر بالحدّ الأدنى هي لضرب نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة التي حققت فيها القوات إنجازاً كبيراً، كذلك في الإنتخابات الطلابية الجامعية، ما أكّد أنها تُمسك بعصب الشارع المسيحي. 

لكن رغم ذلك، إستمرت محاولات التيار في نسف وتسخيف هذه الإنجازات، ومنع ترجمتها في ملف تشكيل الحكومة، وتصوير مطالب القوات تارةً على أنها محاولة لإستهداف وإضعاف العهد وطوراً على أنها إستجابة لأجندة خارجية.

وربما قرّرت القوات أن تحاول إبعاد هذه التهمة عنها فأخذت قرار بعدم المشاركة بإنتظار ما سيصدر عن معراب اليوم. 

لكن بالمبدأ في حال إتجاه القوات إلى هكذا قرار فهي تكون فعلياً قد وقعت في فخ الوزير جبران باسيل لا العكس، وقدمت له إنتصار على طبق من ذهب. 

فمخاطر عدم مشاركتها في الحكومة ستُصيبها هي أولاً قبل أن تُصيب غيرها ، هذا في حال إفترضنا أنها ستُصيب الغير.

إقرأ أيضًا: التأليف الحكومي: مراوحة بين مد وجزر!

إذ أن نيّة الوزير باسيل منذ البداية هي محاصرة القوات ووقف إندفاعتها في الشارع المسيحي عبر حشرها في الزاوية وإخراجها من التشكيلة الحكومية، فيصبح التيار المنفذ الوحيد والأقوى للمسيحيين داخل مؤسسات الدولة، وهذا مكسب لباسيل سيلحقه تراكمات كلها ستصب في صالحه. 

وعلى القوات أيضاً أن تأخذ عبر من درس حزب الكتائب الذي قرّر الخروج من الحكومة والإتجاه نحو المعارضة، وهذا ما إنعكس سلباً عليه في الإنتخابات النيابية، فلا يمكن أن تتحول من السلطة إلى المعارضة بفترة زمنية قصيرة أو أن تستبدل شخصيتك، فالمعارضة عمل تراكمي وليس لحظوي وإلا ستخسر ثقة الناس.

إضافةً إلى ذلك، أن القوات ستواجه في المستقبل مشكلة الناس، فالناس شبعت شعارات وتريد خدمات ولم تعد تجذبها شعارات المعارضة بل تريد أفعالاً، وفي حال كانت القوات خارج الحكومة ستجد صعوبات في تأمين طلباتهم، حينها سيلجأون حكماً إلى وزراء التيار، في ظل إستحقاقات إقتصادية وسياسية كبيرة قادمة على البلد. 

والأهم من كل ذلك، أن هذه الحكومة قد لا تستقيل قبل نهاية العهد، وهناك إحتمال قوي بأن تبقى حتى نهاية عهد الرئيس ميشال عون، وبالتالي أسهم أن تكون هذه الحكومة رئاسية مرتفعة جيداً، ومن يكون داخلها مسيحياً لديه حظوظ أكبر في إستحقاق رئاسة الجمهورية.

وعليه، على القوات اللبنانية أن تحسبها جيداً هذه المرة وأن لا تتهور بخيارات قد تدفع ثمنها لاحقاً، وحينها لا ينفع الندم.