أين هي الجماهير المفترض أن تنتفض استنكاراً وشجباً؟
 

في القرن التاسع عشر حذّر مُراقبون من شبح الماركسية الذي يجول في القارة الأوروبية، واليوم شبح الصهيونية يجول في قلب الجزيرة العربية، زيارات علنية وسرّية يقوم بها المسؤولون الإسرائيليّون ورجال الأعمال ورجال الأمن والمخابرات لعددٍ من دول الخليج العربي، وآخرها لقاءات رياضية في قطر والإمارات العربية، وفي ذروتها زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لسلطنة عُمان واستقباله على أعلى المستويات، ممّا يفتح صفحة رحبة في عمليات التطبيع العربية مع الكيان الإسرائيلي، بالإضافة لمستوى التّمثيل الدبلوماسي مع كلٍّ من مصر والأردن بعد اتفاقات كامب ديفيد ووادي عربة.

إقرأ أيضًا: بيار أبي صعب يشنُّ حملة شتم وتحقير لسعد الحريري.. وهو صاغرٌ غافل

 

في العالم العربي، لا اعتراضات جدّية على هذا التطبيع المتسارع، سوى صدور بيانين مُنفصلين عن حركتي فتح وحماس الفلسطينيّتين، (مع ملاحظة تعذُّر صدور بيان مُوحّد عن التنظيمين المتصارعين)، بيانان يستنكران زيارة نتنياهو لمسقط، ويُهيبان بالجماهير العربية للتّعبير عن  سخطها وشجبها لهذا التطبيع المتصاعد مع "العدو" الإسرائيلي، إلاّ أنّ السؤال الجدّي والمؤلم الذي يفرض نفسه: أين هي الجماهير المفترض أن تنتفض استنكاراً وشجباً؟ جماهير الفلسطينيين الذين دُمّرت مخيماتهم وشُرّدوا من سوريا، أم جماهير الفلسطيني جمال سليمان أمير أنصار الله في مخيم "الميّة وميّة" الذي يشهد اشتباكات دموية مع سائر الفصائل الأعداء، أم الجماهير العربية التي مزّقتها الحروب الأهلية وفساد الأنظمة الاستبدادية في تونس ومصر والعراق واليمن وليبيا؟ الجماهير مُشرّدة أو مُعتقلة أو تنتظر طروحات السلام على يد القوى الاستعمارية (الدولية منها والإقليمية)، والهوية العربية مزّقها الاستبداد والحروب وفساد الأنظمة.وحتى يتمكّن التنظيمان الفلسطينيان من إصدار بيان مُوحّد، قد تتمكّن الجماهير العربية من استعادة دورها وفعالياتها.

حالُ العرب اليوم كحال آل جزي في مصابهم وبؤسهم: مرّ مروان بن الحكم في العام الذي بويع فيه بزرارة بن جزي الكلابي، وهم على حالهم "المزرية"، فقال: كيف أنتم آل جزي؟ قالوا: " بخير، زرعنا اللهُ فأحسن زرعنا، وحصدنا فأحسن حصادنا".