ماذا يُريد دونالد ترمب من محمد بن سلمان ؟
 

 

أظهرت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي مدى الضعف الإعلامي والسياسي للمملكة العربية السعودية داخل الولايات المتحدة الأميركية ، لصالح قوى  إقليمية أخرى كقطر التي  تتمتع بنفوذ قوي في أوساط النخب الإعلامية والسياسية الأميركية .

 

هذه الحقيقة كان يدركها الأمير الشاب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عند توليه مقاليد السلطة لأول مرة في المملكة ، وعمل جاهداً على تغيير المعادلات والتوازنات لعلمه بالأهمية الإستراتيجية لمراكز القوى ودوائر الحكم في أميركا .

 

لكن ما حصل بعد مقتل خاشقجي ، أظهر أن الوهن السعودي في هذا المجال لا زال قائماً رغم إختلاف أداء بن سلمان عن من سبقه من ملوك للسعودية .

 

وحاول بن سلمان الرهان على الرئيس الأميركي دونالد ترمب ، وهو رهان إستطاع من خلاله الإتكاء على حليف قوي سمح له بتمرير أجندته السياسية في الإقليم ، لكنه إكتشف لاحقاً أن حتى دونالد ترمب هو بحاجة لمن يعينه وينتشله من فضائحه اليومية .

 

قبل الكشف عن واقعة مقتل خاشقجي ، تكلّم ترمب عن السعودية في مناسبتين ، الأولى قال فيها  أن السعودية عليها أن تدفع مقابل أن تحميها أميركا والثانية أن إيران كانت ستسيطر على الشرق الأوسط في ١٢ دقيقة وستُهدّد عرش الحكم السعودي قبل وصوله إلى البيت الأبيض وقيامه باللازم .

 

كلام ترمب هو إستنساخ للخطاب والسلوك الرسمي الأميركي غير المعلن من قبل والذي يُعبّر عنه هو  اليوم بطريقته الفجّة المعتادة ، لكنه كلام لا يخرج عن سياق الحملة الإنتخابية النصفية المستعرة  لمجلسي الشيوخ والنواب المقرّر عقدها في ٦ تشرين الثاني ٢٠١٨، إذ أن ترمب يواجه خطر العزل في حال خسارة الجمهوريين في الإنتخابات وبالتالي يريد تحقيق إستثمارات وجلب صفقات تجارية ضخمة للداخل الأميركي لكسب أصوات الناخبين. 

 

لكن عند بدء تسرّب الأخبار عن قضية خاشقجي ، كان محمد بن سلمان يُجري مقابلة مع وكالة " بلومبيرغ" ورد فيها على ترمب وقدم أول تعليق عن حادثة الصحافي السعودي .

 

وبعكس المتوقع ، لم يبدر عن ترمب أي سلوك أو إشارة توحي بأنه يريد إستغلال الحادثة وهي كانت فرصة ثمينة له لإبتزاز بن سلمان ، بل ذهب بعيداً في الدفاع عن السعودية وبدأ الترويج لنظرية " القاتلون المارقون ".

 

ما حصل بعد ذلك لم يكن متوقعاً ، إذ أن الوهن الإعلامي السعودي وحسن إدارة الأزمة من قبل الأتراك ومعهم الإعلامين القطري والعالمي والنخب السياسية الأميركية الضاغطة ، فرضت على ترمب تغيير خطابه والتوعد بمحاسبة المسؤولين .

 

إقرأ أيضا : إحضار شقيق جمال خاشقجي ونجلُه أمام العاهل السعودي لتقبُّل التعازي

 

 

هنا كان ترمب في وضع حرج لا يقل حرجاً عن وضع بن سلمان نفسه ، فترمب لديه أولويتين في هذه الفترة، الأولى الحزمة الثانية من العقوبات الإقتصادية القاسية على الجمهورية الإسلامية في إيران في ٤ تشرين الثاني ، والثانية الإنتخابات النصفية الأميركية في السادس من الشهر نفسه .

 

إذ تحوّلت مسألة خاشقجي إلى قضية رأي عام في الداخل الأميركي ، ووجد ترمب نفسه أمام مأزق حقيقي ، فالحزب الديمقراطي بدأ بإستغلال القضية وتم إتهام الرئيس الأميركي بأنه يدوس على القيم الأميركية وهذا ما إنتبه له الحزب الجمهوري فتبنى قضية خاشقجي هو الآخر ، ومن هنا سرّ الإجماع السياسي الأميركي على المطالبة بمحاسبة محمد بن سلمان ومعاقبته .

 

لذلك روّج ترمب لنظريته الخاصة ، وهي بفرض إجراءات عقابية على السعودية دون المساس بالصفقات التجارية الكبرى وأهمها صفقات التسليح ، وهو يعتقد بنظريته هذه أنّه يضمن بقاء صفقات الأسلحة ما يُرضي شركات التسلح الكبرى ويُسكت الأصوات المطالبة بمعاقبة السعودية عبر بعض الإجراءات ، لكن هذه الأصوات تُطالب بعزل محمد بن سلمان !

 

بالأمس بدأ ترمب التلميح إلى مسؤولية ولي العهد السعودي عن الجريمة ، وهو أول تصعيد منه ضد حليفه الأول في المملكة ، فهل حقاً سيتخلى عنه ؟

 

الإجابة عن هذا السؤال هو بمعرفة السبب الرئيسي لتعلّق ترمب أولاً ببقاء بن سلمان ، إذ يرى فيه حليف قوي ضمن إستراتيجية مواجهة إيران في المنطقة ، وهي إستراتيجية ستكون حامية مع بدء الحزمة الثانية من العقوبات ، إذ أن بن سلمان سيتكفل بتأمين النقص في سوق النفط جراء منع تصدير النفط الإيراني وغيرها من الإجراءات. 

 

ولولا الضغوط الإعلامية على ترمب لكان قد أغلق قضية جمال خاشقجي منذ أول يوم ، لكن العامل التركي وإستثماره في القضية يُحتّم عليه أيضاً التعامل بأسلوب آخر .

 

إقرأ أيضا : كم خاشقجي في بلادي ؟

 

 

لذلك فإن ترمب يحاول التوفيق بين الأولويتين ، نجاح الجمهوريين في الإنتخابات النصفية وإنجاح إستراتيجيته ضد إيران ، وإذا كان محمد بن سلمان سبب في تعذّر التوفيق بين هاتين الأولويتين فمن المحتمل أن يُطيح به ويرفع الغطاء عنه ، ضمن عملية قد تأخذ بعض الوقت ، تبدأ بكلام إعلامي لترمب بتحميل المسؤولية لبن سلمان وقد تنتهي بعزله .

 

في كل الأحوال ، فإن ترمب في وضع لا يُحسد عليه ، وقضية جمال خاشقجي خلطت جميع الأوراق ، وتبقى الصفقة الكبرى لو نجح محمد بن سلمان في حياكتها جيداً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومن خلفهم دونالد ترمب ، كفيلة أن تُنقذ رؤوس الجميع ، وحينها على إيران أن تقلق .