أنا لا زلت أنتظر مرحلة استغنائي عن شراء البيض من الدكانة، والتخلص من ارتكاب تلك الخطيئة التي تشبه تماماً دفعي الضرائب
 

أخيراً تحقق حلمي بحمدلله، وصار عندي قن للدجاج قدام البيت، فأنا الذي تركت بيروت منذ سنوات طويلة لأسكن بضيعتي التي أعشقها حتى الوله، مثلي مثل كل لبناني يتطلع لترك المدينة التي لا بد منها، ويركن للعيش في سكون الضيعة ونظافة الضيعة وطيبة الضيعة.

إلا أن السكن بالضيعة يبقى ناقصاً وغير مكتمل ما لم تكن تملك قن دجاج، فلم أشعر بهذا الإنسلاخ المرغوب عن المدينة وضجيجها إلا منذ ما يقارب الشهر مع بداية قدوم الدفعة الأولى من الدجاجات ودخولهم إلى القن، وأيضاً مع سماع صوت الديك الذي يصيح الآن وأنا أكتب هذه الحروف على أنغامه الجميلة.

إقرأ أيضًا: القوات داخل الحكومة وبحصّة مقبولة هي حاجة لحزب الله

ولمن لا يعرف، فإن انتقال الدجاجات إلى مكان جديد، يحتاج الى قليل او كثير من الوقت حتى يعتادوا عليه، وعلى صاحبهم الجديد أيضًا، فيحتاجون بهذه الفترة الانتقالية الى رعاية يومية خاصة، فلا يدخلون الى القن للمبيت الا بعد بذل جهد لإرغامهم على ذلك، وإذا ما فتحت لهم الباب الخارجي ليسرحوا في الحقلة، فإن عودتهم الى "السارية" يحتاج الى براعة في التوجيه والى فن بعملية الالتفاف لإدخالهم مجددا الى "سجنهم".

لا أخفي عليكم، ولأنني جديد على "الكار"، فقد نسيت منذ أيام أن أقفل عليهم الباب ليلاً، مما اضطرني لترك السهرة والرجوع سريعاً لإتمام المهمة بعد التأكد من سلامتهم ودخولهم جميعاً بخير وعافية، وأن حالة من الخوف انتابتني قبل وصولي اليهم، ناتج عن سماع عشرات القصص والروايات التي تخبرك عن خسران كثيرين لدجاجاتهم بسبب هكذا غلطة مميتة ينتظرها إما كلب داشر (أجلّكم الله)، وإما نسناس جائع يستغل أي ثغرة لفعل مجزرته.

إقرأ أيضًا: لا تلوموا رئيس بلدية صير الغربية

في ظل هذا الشعور الرائع الذي أصابني مذ صرت أمتلك قني الخاص ودجاجاتي الخاصة، وأنا لا زلت أنتظر مرحلة استغنائي عن شراء البيض من الدكانة، والتخلص من ارتكاب تلك الخطيئة التي تشبه تماماً دفعي الضرائب المجبور هي الأخرى على دفعها، و لم تحن هذه المرحلة بعد، لكن العمل للوصول إليها على قدم وساق، مع تمنياتي عليكم بالدعاء لبلوغ المرتجى.

إلا أنه لا مناص لي ها هنا من إخباركم بأمر فظيع، يكاد ينغص عليّ كل هذه الأجواء الضيعاوية الرائعة وأتلذذ بها وأنا أمارس على دجاجاتي سلطتي الرعوية، حيث أفتح عليهم ساعة أشاء، وأغلق عليهم ساعة أشاء، وأطعمهم حين أفرغ أنا من قهوتي الصباحية، وأرمي لهم بقايا طعامي.... ودجاجاتي لا يتأففن ولا يعترضن، بل صاروا ينتظرونني في مواعيد إطعامهم كأنني لهم المنقذ المنتظر، فينتابني في هذه اللحظات الجميلة، شعور فظيع لا يمت إلى واقع الحال بصلة، حيث يتسلل إليّ إحساس غريب، وتتراءى لي صورة مزعجة عن نفسي، فأخال وكأنني أضحيت واحد من زعماء هذا البلد  والعياذ بالله....