يتصرف اللبنانيون بما يُلائم مصالح نخبة قاتلة لها رغم أن الكثيرين منهم وخاصة جماعات الرأي التي لا تتوانى عن سبّ السياسيين في برامج أمست وأصبحت للترفيه السياسي
 

كتب ابن الرواندي كُتُباً ضد الله وأنبيائه وأديانه ولامه في توزيع الثروة لصالح طبقة دون طبقات في المجتمع الأمر الذي أدّى الى وجود طبقة ثرية وأخرى معدومة تتحسّس جوعها كلما شبع ثري ومن قصصه أنه ذهب الى السوق في عهد المتوكل العباسي فرأى بائعاً للفول الأخضر وكان لا يقوى على شرائه الاّ الأغنياء فجاء غني واشترى فولاً وفصصه وأكل حباته ورمى القشور في الطريق فجاء فقير مدقع وجمع القشور وأكلها وركع وسجد لله شاكراً له على نعمه التي لا تُعدّ و لاتحصى فتقدم منه ابن الرواندي ونهره قائلاً له: ويحك يا هذا ما تجرّأ الله علينا نحن المساكين لولا أمثالك ممن يشكرون الله على فقرهم وعوزهم وسوء أحوالهم.

لا علاقة لنا بابن الرواندي وبعلاقته مع الله ولكن لنا علاقة مع حكمته وقصته من خلال علاقتنا نحن معشر اللبنانيين مع أربابنا اذ نفعل تماماً ما فعل فقير الفول في بغداد نأكل ما ترميه الطبقة السياسية من فضلات ونشكرها ونُسبّح بأسماء آلهتها آلهة آلهة لا ننسى أحداً منها حتى لا يُحيطنا قحط ولا يطوقنا طوفان فنغرق في وحول شياطين الإنس والجن لذا نمشي الحائط تضرّعاً وخيفة من غضب الذي يغضب على من يُغضب أرباباً موكلين رسمياً من قبله بإدارة شجوننا نحن عبيد السلاطين.

إقرأ أيضًا: الموتوسيكل مسؤولية الأجهزة أم الأهل أم الأحزاب؟

نجدد لهم حكمهم لنا بأيدينا وأصواتنا ونملأ الأمكنة دعاءًا لهم حتى تفيض عليهم بركات الأرض وخزائنها مما رحبت من خير لا يحصل عليه الاّ من كان ذا شأن وهيبة ومكانة ومحل تبجيل لنسب لا يرقى اليه نسب كونه من صنع الله لا من صنع الأبالسة.

في كل يوم نسبٌ جديدة من الوفيات بسبب الأمراض المهدمة للذة الحياة وجرّاء انتشار الأوبئة والسموم التي قذفت بها رياح الحروب ورياح النفايات والمطامر وغياب الرقابة الصحية وفساد المناخ وانتشار الأوبئة في المشارب والمآكل وتلوث الطبيعة شجراً وبحراً ونهراً بحيث لم يعد هناك من محميات تحمي اللبنانيين من سموم السياسة التي انتشرت في كل شيء وقضت على كل شيء فقصرّت أعمار البشر وهدّمت من أركان الوطن وجعلته كريشة في مهب رياح سامّة ومع ذلك نخلص نحن الموتى من اللحد على صغر لأنهم يستودعننا أسرار الله باكراً لنرى ما وعدنا به من جنّات لحرمننا منها في حياة لئيمة خبيثة هي سجن المؤمن وجنة الكافر سبحانك كيف تنعم على الكافرين بجنة الأرض على قلتهم وتنعم علينا بنار الدنيا على كثرتنا؟

إقرأ أيضًا: بالروح بالدم نفديك يا ................

فترزقهم بغير احتساب وتطمرنا بتراب الذل بحساب ولن نجادل ولا اعتراض على أحكامك لأن لله في خلقه شؤون وشجون ونحن على قدر الأمانة ولكن هل تصح أمانة الاستخلاف لفقير مدقع؟ 

سؤال بلا شهية على إجابات معروفة سلفاً لا مناص من معرفتها كونها تخدر أو تسكن الحالات المرضية غير المستعصية وهي تلبي علاجات مرضى كآكل قشور الفول في بغداد وتمنحهم الرضا المطلوب عن السخط ضد من يمتصون دماء الشعوب ويرمون أجسادهم في القبور ويكتفون بأنهم شهداء كما نعوهم وهم ثوار في دروب الشهادة دفاعاً عن أغنياء لا يموتون وإنما يحكمون الى الأبد.

يتصرف اللبنانيون بما يُلائم مصالح نخبة قاتلة لها رغم أن الكثيرين منهم وخاصة جماعات الرأي التي لا تتوانى عن سبّ السياسيين في برامج أمست وأصبحت للترفيه السياسي وكأن المطلوب تنفيس الاحتقانات ببرامج سياسية تجذب أطراف الصراعات الطائفية لتحميسها وجعلها كتلة مشدودة لصالح الزعيم وغير آبهة بعفنها المتراكم في جلود خامة من كثرة النتانة الموجودة في عظامها وأفكارها.