الرئيس المكلف سعد الحريري لا يزال يبث أجواء التفاؤل بقرب ولادة الحكومة، لكن التمنيات شيء والواقع على الأرض شيء آخر، فلو كانت العقد التي تؤخّر التشكيل حلت لما كان اللبنانيون ما زالوا ينتظرون هذه الولادة التي طال أجلها إلى درجة فقدان الأمل بحلها، والعقدة كما تدل الوقائع لا تكمن في وزارة بالزائد أو وزارة بالناقص ولو كان الأمر كذلك لكانت حلت منذ أمد طويل وانتهى الأمر، وعادت الحياة إلى طبيعتها وانتظمت المؤسسات الدستورية، غير أن العقدة الحقيقية التي تؤخر التشكيل هي الخلاف المستحكم بين الرئيس المكلف وفريق رئيس الجمهورية الممثل بالتيار الوطني الحر حول أي حكومة نريد. فالرئيس الحريري يريد حكومة وفاق وطني تتمثل فيها كل القوى الأساسية، وقد اضطر مؤخراً إلى «بق البحصة»، بينما يُصرّ فريق رئيس الجمهورية على أن تكون الحكومة العتيدة، حكومة رئيس الجمهورية ولو تحت عنوان حكومة العهد الأولى، وهو مستعد لإبقاء البلاد من دون حكومة إلى ان يرضخ الرئيس المكلف لإرادته وتشكل هذه الحكومة.

وكما أصبح معروفاً بإيعاز من فريق رئيس الجمهورية ان حكومة من هذا النوع، يجب أن تشكّل الرافعة الاساسية التي يستند إليها العهد في إدارة دفة الحكم، ولكي تكون كذلك لا بدّ من أن تتشكل من أكثرية موالية لرئيس الجمهورية، ومن هنا كانت العرقلة التي يضعها فريق رئيس الجمهورية في وجه القوات اللبنانية كلما توصل الرئيس المكلف إلى اقناعها بتقديم تنازلات لمصلحة تسهيل مهمته في التأليف وطي هذا الملف الذي في حال بقائه مفتوحاً يولد تداعيات خطيرة على البلاد، احداها خسارة الدعم المالي الذي وُعدنا به في مؤتمر سيدر، فضلاً عن تخلي العالم عن هذا البلد الذي تخلى هو عن نفسه، بسبب أطماع حكامه والذين يديرون شؤونه.

والرئيس المكلف يعرف تبعات الاستمرار في وضع العصي في طريقه على البلاد، ولذلك يلح على ضرورة الانتقال من حال المراوحة الى العمل الجدي لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل أن يفلت زمام الأمور من يد الجميع، وهذا ما نبّه إليه صراحة في لقاءاته الأخيرة مع القوى المعنية بتأليف الحكومة وفي اجتماع نواب المستقبل يوم الثلاثاء الماضي، إنما يبدو أنه يصرخ في واد ولا أحد من فريق رئيس الجمهورية يريد أن يسمع وان يقبل بالتنازل عن المواصفات التي وضعها لحكومة العهد الأولى، الأمر الذي يحمل المصادر المتابعة لخفايا عملية التأليف على أن تميل أكثر نحو التشاؤم بالنسبة إلى ما يُشاع من أن الحكومة العتيدة ستبصر النور خلال اليومين المقبلين أو حتى في نهاية الأسبوع الجاري، وترجح أن تستمر المراوحة إلى ما بعد 31 الجاري الذكرى الثالثة لانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية من دون أن يظهر في الأفق أي بصيص نور باحتمال الخروج من هذه الأزمة الحكومية المستعصية، إلا إذا كانت هناك ثمة طبخة سحرية تُعدّ في الخفايا بحيث يكون الإعلان عنها في الذكرى الثالثة بداية تحوّل في مسار العهد ومسيرته.