فجأة، يُفتعل مناخ إيجابي، وترفع القوى السياسية شارات التفاؤل وتُضرب المواعيد بقرب ولادة الحكومة، ويدخل البلد في حال انتظار الجنين الموعود!
 

مع هذا المناخ التفاؤلي، كان يفترض أن تولد الحكومة قبل أسبوع، أو 10 ايام، وتبيّن انّ جَو التفاؤل ما هو إلّا سحابة صيفية عبرت بسرعة وبعثرت طابور المتفائلين كلّ في اتجاه، وأبقَت الحكومة في دائرة الأمنيات حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

المريب في الصورة الحكومية، انّ ثمة شعوراً بدأ يتنامى من أنّ يداً خفية تسحب الحكومة الى الوراء. وتبعاً لذلك، يخشى إن صحّ هذا الأمر أن يطول انتظار الحكومة. السؤال الذي يفرض نفسه هنا: أين العقدة الحقيقة؟ 

لا أحد يملك الجواب، يُقال العقدة خارجية، لكن لا أحد يملك دليلاً يؤكد ذلك أو ينفيه. ثم يأتي من يقول انّ الداخل عاد واستحضر الخارج ربطاً بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، مُراهناً على «زلزال» سيحدثه هذا الحدث على صعيد المنطقة، وارتدادته ستؤدي حتماً الى انزياح في موازين القوى العالمية والاقليمية، وستطال بشكل خاص دور بعض الدول الاقليمية وحضورها ونفوذها.

ثم يُقال العقدة ما زالت داخلية، فيُسارع كل طرف في العلن الى إعلان البراءة من هذه التهمة. أما داخل الغرف، فترى هذه الاطراف تلاكم ذات اليمين وذات اليسار في بازار الحقائب والاحجام. 

حفلة الملاكمة والتهشيم السياسي ما زالت مستمرة، ولكن بلا حَكَم يضبطها. والصراع على الحقائب صار مستفزّاً، وكأنّ «الوزارات الدسمة» ملك حصري لهذا الطرف او ذاك، وهو أمر قد يدفع جهات سياسية الى إعادة طرح حصتها الوزارية ونوعيتها على بساط البحث. وهنا ماذا لو قرّر الثنائي الشيعي أن يتصلّب، كغيره من الأطراف، وطلب إعادة النظر في حصته؟

الصورة في مطبخ التأليف، تؤشّر الى انّ الحكومة على وشك أن تطلّ برأسها. هذا ما يوحي به الرئيس المكلف، أمّا رئيس الجمهورية الذي بات من المؤكد انه هو الذي يدير معركة الحصة الرئاسية وتمثيل فريقه، ومعه الوزير جبران باسيل، فيمكن أن يجزم بقرب الولادة حينما يتلقّى من الرئيس سعد الحريري «التشكيلة المقبولة» للحكومة، الّا انه في الوقت ذاته يصرّ على حكومة قبل 31 تشرين الحالي، ولا يقبل ان يبدأ الثلث الثاني من عهده بلا حكومة. 

ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي قدّم التسهيلات منذ اليوم الاول للاستشارات، يؤكد انّ الحكومة يمكن ان تتشكّل خلال ساعة واحدة اذا ما أزيلت العقبات من طريقها، وتوافرت النية الجدية بالتشكيل. وحتى الآن يتمنى ان يرى الفول قد وضع فعلاً في المكيول، لكنه لا يستطيع ان يقول ذلك بل انه يقرّ بالايجابية الجدية وبالتفاؤل اذا ما لمس بيده أساساً لذلك وتقدماً يُبنى عليه.

وفي الصورة الحكومية، يبدو الرئيس المكلف أكثر المستعجلين على تشكيل حكومته، ولا بد من بلوغه هذا الهدف مهما كلّف الأمر، ذللت عقدة «المردة» من طريقه، وايضاً العقدة الدرزية، لكن فجأة يُحكى عن سوء تفاهم بينه وبين وليد جنبلاط، مَقرون بكلام عن انّ النقاش يدور حول الوزارة الثانية الى جانب التربية (الصناعة أو العمل).

ويحاول الحريري حالياً ألّا يأتي تمثيل «سنّة 8 آذار» من حسابه وعلى حسابه، ولا مانع إن كان هذا التمثيل من حصة رئيس الجمهورية، وقراره النهائي انه لن يسير ابداً بحكومة يتمثّل فيه «سنة 8 آذار» من حصة تيار «المستقبل». وامّا جهده الأكبر فمنصَبّ على تدوير زوايا عقدة تمثيل «القوات اللبنانية»، التي تشعر انها تتعرض لمحاولة إلغاء وتحجيم لإحراجها فإخراجها، او إدخالها ضعيفة الى الحكومة لا تملك ذات القوة والقدرة التي كانت تمتلكها في حكومة تصريف الاعمال الحالية.

ولعل «القوات» تشعر بشيء من الاطمئنان، ذلك انّ الحريري قطع وعداً بإرضائها، وتعهّد بألّا يسير بحكومة من دونها، لمجموعة أسباب لعل أبرزها انه لا يريد أن يدخل «وحيداً» الى الحكومة، بل يحتاج الى حليف له ينصره في داخلها، خصوصاً انّ سائر الاطراف التي تتشكّل منها الحكومة لا تعزف على الوتر الحريري. وحتى الآن لا يمكن القول انّ الحريري نجح في مهمته الصعبة، خصوصاً انّ سلّة المطالب والافكار التي طرحتها، لم تجد بعد المعبر المؤدي الى قبولها، خصوصاً من رئيس الجمهورية وفريقه.

أمام هذا الوضع، ما زالت القوى السياسية الكبرى تقول بولادة الحكومة قبل 31 تشرين، أي خلال أسبوع من الآن. وثمّة من يقول «اعطوا بعض الوقت لبعض القوى لكي توجِد المخرج لنفسها وترسم خط نزولها عن شجرة المطالب والشروط. وبالتالي، قبولها بالمطروح عليها، فالأمور بلغت الشوط الأخير من مرحلة التشكيل، وفي الشوط الأخير كل طرف يلعب أوراقه المكتومة، لعلّه يتمكّن من تحقيق مكسب اللحظة الاخيرة.