إحتفى «التيّار الوطني الحرّ» أمس بإنجازه الإنتخابي في كونه «الأول في كل شيء»، كما أعلن رئيسه جبران باسيل، حيث تمّ اختيار مجالس أقضية: جبيل، كسروان، طرابلس، زغرتا، زحلة، بعلبك- الهرمل، جزين، صور- بنت جبيل، الزهراني، الشوف، عاليه وبشري، فيما فازت تزكيةً مجالس أقضية: البترون، عكار، الكورة، المتن، بعبدا والبقاع.
 

الإنجاز الأهم الذي حاول عَبْرَه الحزب البرتقالي «التمريك» على غيره من الأحزاب والتيّارات، هو اعتماد 10 مراكز «ميغاسنتر» لاقتراع الحزبيين حسب مناطق سكنهم وليس مناطق نفوسهم، في محاولة لإثبات مدى سهولة هذه الآلية وعدم حاجتها الى البطاقة الممغنطة.

الإنجاز الثالث، هو اعتماد نظام الصوت الواحد one person one vote، حيث صوّت محازبو كل قضاء لمرشح واحد، فتمّ اختيار أول خمسة في ترتيب عدد الأصوات، ليكون صاحب الرقم الأعلى مقرّر المجلس.

هكذا، تباهت قيادة «التيّار» في كونها «واحة الديموقراطية» في «رُبع» الأحزاب «الخالي»، لأنّها لا تزال تمنح قاعدتها «سيف» الإقتراع المباشر، ولو أنّها عمدت إلى تقليص قدرة هذا «السيف» على «المبارزة»، وتحويل التيّار حزباً رئاسياً ديموقراطيته شكلية، قراره في قبضة واحدة، ولا سلطة فيه تعلو سلطة رئيسه، كما يرى معترضون.

عملياً، إحتفظ «التيّار الوطني الحرّ»، من سلّة «إمتيازاته الانتخابية»، باستحقاقين بارزين: الأول، إنتخاب الرئيس مباشرة من القاعدة، وهي «سابقة» لم يسجّلها بعد كون باسيل فاز بولايته الأولى في التزكية. والثاني هو انتخاب مجالس الأقضية بعد إلغاء مبدأ الانتخاب لهيئات الأقضية، رغم أنّ «التيار» كان يفاخر في أنّه الحزب الوحيد الذي ينتخب هيئاته الوسطية العاملة، وهي الأكثر نفوذاً والأكثر احتكاكاً مع القاعدة.

إلّا أنّ هذه الآلية نُسِفت في التعديل الأخير للحزب، بحجة الخلافات التي حصلت بين أعضاء هيئات الأقضية المُنتخبة على أساس النظام النسبي، وقد حُلّ معظمها أو شُلّ عملها عشية الإنتخابات، فتمّ استبدال الإنتخاب بمبدأ التعيين الذي تولاه باسيل نفسه، مقابل تعزيز صلاحيات مجالس الأقضية التي باتت مُنتخبة.

يقول حزبيون، إنّ إلغاء مبدأ الانتخابات على مستوى هيئات الأقضية كان سليماً طالما أنّ نتائج التجربة الإنتخابية لم تكن مرضية، خصوصاً أنّها هيئات تنفيذية تحتاج لأن تكون منسجمة في ما بينها، وهي باتت تحت رقابة مجالس الأقضية المُنتخبة، التي صارت سلطة رقابة لها دور سياسي وإنمائي في أقضيتها، مع العلم أنّ هناك من يصف عمل هذه المجالس بالاستشاري الذي لا يقدّم أو يؤخّر.

ومع ذلك، يبقى النقاش حول أهمية تكريس مبدأ الإنتخاب على المستويات كافة، أو إلغائه، موضع أخذ وردّ، له سلبياته كما إيجابياته. لكنّ الأهم من كل ذلك، هو المجلس السياسي «للتيّار» الذي يُفترض أنّه العقل المدبّر والمفكّر للحزب، مركز السلطة والقرار.

وفق النظام الداخلي، ينتخب المجلس الوطني المؤلّف من نواب الحزب ووزرائه الحاليين ومجالس الأقضية (التي انتُخبت الأحد) وممثلي القطاعات والهيئات الطالبية والشبابية والمهنية، 6 أعضاء للمجلس السياسي. وقد تمّ انتخاب المجلس السياسي الأول في 28 شباط 2016 لولاية عمرها 4 سنوات، فيما أصبح باسيل رئيساً للحزب بدءاً من 20 أيلول 2015 لـ4 سنوات أيضاً.

غير انّه فجأة، أقلّه بالنسبة الى بعض أعضاء المجلس السياسي، إكتشف هذا البعض أنّ ولاية المجلس السياسي قُصّرت، وقد حُدّد يوم الأحد 3 تشرين الثاني موعداً لانتخاب 6 أعضاء جدد.

هنا تتعدّد الروايات والتفسيرات. يقول بعضهم، إنّ تزامن الإستحقاقات بعضها مع بعض (الرئاسة والمجلس السياسي) حتّم التوافق على تقصير ولاية المجلس السياسي الأول لسنتين، وهي مسألة يعرفها أعضاء الأخير منذ انتخابهم. ويعتبر البعض الآخر أنّ التعديل الأخير للنظام الداخلي، القاضي بإلغاء مبدأ انتخاب هيئات الأقضية، حتّم تقصير ولاية كل الهيئات المُنتخبة وبينها المجلس السياسي. وصار لا بدّ من انتخاب مجلس جديد.

في مطلق الحالات، أُقفل باب الترشح للمجلس، ويبدو أنّ رزمة الترشيحات لا تتعدى الـ15. اللافت فيها، إمتناع السيدة ميراي عون عن الترشّح لولاية جديدة، وهي التي سبق وأبدت اعتراضها على «الولادة القيصرية» للإنتخابات وأداء «التيّار» في بعض المحطات. ومن الترشيحات: جيمي جبور، زياد نجار، غسان عطا الله، ميشال أبو نجم، مالك أبي نادر، وليد الأشقر، نادين نعمة، وديع عقل...

الملاحظة الأبرز، هو أنّ المعارضة العونية خاضت الإستحقاق في دورته الأولى لاختيار المجلس السياسي، فيما تبدو اليوم غير معنية أبداً بكل الحراك الانتخابي.