يتساءل اللبنانيّون عن الواقع السياسي الجديد في لبنان مقارنة مع مفهوم العمل السياسي الفعلي المَبني على مبدأ الخدمة العامة، مُتخوّفين من نقض غالبية السياسيين اليوم لمفهوم السياسة الحكيمة التي سادت في بلاد فخر الدين وقدموس وجبران خليل جبران وبطاركة لبنان الكبار كالحويك والدويهي، وفي عهد الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين... ويتساءلون: «هل ولّى عهد الزعامات اللبنانية وأصبح رجالاتها تجّار سياسة ولم يعودوا «زعماء»؟
 

ووفق هذا المعيار، يتشبّث اليوم كل فريق بملكيته الوزارية و»بزعامتها» فلا يتنازل عن «ملكه»، معتبراً حقيبته حصرية ليصبح الواقع عرفاً، بغضّ النظر عن الدستور. 

 

الحكومة و«البورصة الخارجية»


وبحسب «المعيار» السياسي اللبناني الحديث، تتوزّع المكاسب والحصص وفق «البورصة السياسية الخارجية». فعلى سبيل المثال لا الحصر، تنخفض أسهم سنّة المعارضة تارة وتعلو طوراً، بحسب اتجاهات البوصلة الخارجية.

وعلى وقع هذا الايقاع «تتثاءَب» حكومة العهد الثانية. وفيما القديم على قدمه، يغتبط اللبنانيون بالخبر الوحيد المثمر في هذه المرحلة بعد جلسة لجنة المال التي تمكنت أخيراً من إنجاز مشروع البطاقة الصحية بعد سبات طويل، فتوجّهت عيون اللبنانيين إليها ولم تعد تحصر اهتماماتها بأن تُبصر التشكيلة الحكومية «نوراً عظيماً». وحتى ولو أبصرت النور، يعتبرها غالبية اللبنانيين أنها لن تختلف عن سابقتها، فلا نورها سيزيح العتمة ويعيد الكهرباء المفقودة كما انه لن يجلب الدواء المفقود، ولو انّ حقيبة الصحة هي الوحيدة التي سمح لها بالتنقّل بعدما أفرجت «القوات اللبنانية» عنها. 

فما صحة تخَلّي «القوات» بإرادتها عن حقيبة الصحة لـ«حزب الله»؟

في ظل تمسّك جميع الفرقاء بحقائبهم «السيادية» ولاسيما الخلافية منها، كالمالية والداخلية والاشغال والعدل، تفرّدت «القوات اللبنانية» بالتخَلي عن حقيبة الصحة بملء إرادتها، وليس بطلب من «حزب الله» كما أشيع.

فقد كشفت مصادرها لـ«الجمهورية» أنّ «القوات» تعاطَت وتتعاطى في هذا الموضوع على أساس عدم تكريس وزارة لطائفة او لحزب، بل هي ملك الدولة. وعندما يرى أيّ فريق سياسي انّ الدور الذي أدّاه في هذه الوزارة اكتمل لجهة البرنامج الاصلاحي الذي كان بإمكانه تنفيذه، يعتبر أن لا لزوم لإعادة طرح المشروع، أي لا لزوم الى العودة الى هذه الوزارة.

ومن هنا، اعتبرت «القوات» انها نفّذت في وزارة الصحّة برنامجها الاصلاحي، خصوصاً في الأمور العامة، فحققت إنجازات مهمة، إنما هذا لا يعني انه لم يعد هناك أفكار إصلاحية جديرة بالبحث. 

وتكشف مصادر «القوات» انه منذ اللحظة الاولى لاستشارات التأليف، ووفق التصور الذي شرحته للرئيس المكلّف حول وزارة الصحة، لم تَعرض بقاء وزارة الصحة من ضمن حصتها، ولم تطرح أبداً الموضوع إنطلاقاً من مبدأين:

-1 ليس هناك وزارة مسجّلة بإسم أي فريق سياسي أو بالوراثة.

-2 إعتبار «القوات» المداورة للوزارات مبدأ أساسياً يجب العمل به، كي لا يشعر اي طرف سياسي انّ وجوده في هذه الوزارة او تلك أصبح وجوداً أبدياً وسرمدياً، فتتمسّك جميع القوى السياسية بوزارتها وكأنها ملك لها وليست للناس.

وانطلاقاً من هذا الأمر، تعتبر «القوات» بحسب مصادرها انه لا يجب الابقاء على اي وزارة في يد أيّ من الفرقاء، خصوصاً حينما يكتمل مشروع ايّ فريق سياسي لوزارته، بل يجب ان يذهب باتجاهات أخرى. فإذا فشل في إدارة وزارته أو نجح، يجب عليه تَجيير خبراته الى وزارات أخرى.

من هذا المنطلق طالبت «القوات» بتولّيها حقائب مختلفة عن حقائبها، ولاسيما وزارة الصحة، إذ ليس صحيحاً انّ «حزب الله» «انتزعها بالقوة» من «القوات» التي ارتأت أنه يجب اختبار تجربتها في وزارات اخرى غير الصحة، لذلك لم تضع «الصحة» أمام عينيها.

ولذلك، تصرّ مصادر «القوات» على التأكيد أنها هي من أصَرّ على هذا التبديل، وليس «حزب الله» من انتزع «الصحة» منها.

امّا بالنسبة لباقي الاطراف، فتوحي مصادر القوات «انّ للبعض معطياته وفق أولوياته»، فيما هي تعرف أولوياتها.

وعن المشاورات الجديدة، تكشف لـ«الجمهورية» انها مستمرة والمعالجات ستؤدي الى نتائج مرجوّة، الى أن تأخذ «القوات» وزارة وازنة على غرار وزارة الصحة او العدل.

وتعليقاً على إصرار العهد على تَولّي «عدل العهد» وتراجعه عن التنازل عن حقيبة «العدل» لصالح «القوات»، بحجّة تبنّيه شخصيّاً شعار «مكافحة الفساد « والالتزام بالحكم «بالعدل» بين اللبنانيين، يُطرح سؤال: «لماذا يصرّ العهد على الامساك بعنق «العدل» و»مكافحة الفساد» وهو تولّى الحقيبتين في الحكومة السابقة، فلم يُشنق مرتكب، ولم يُكشف عن ملف فساد واحد؟