بقيت الاتّصالات ناشطة حتى ساعات متأخرة من الليل من أجل تذليل العُقد الحكومية، وتأمين ولادة سريعة وإرضاء جميع القوى السياسية.
 

إنتهى النزاع على الحقائب السياديّة الأربع سريعاً، فرست المال على «أمل» والداخلية على «المستقبل» والدفاع والخارجيّة على «التيار الوطني الحرّ» ورئيس الجمهوريّة.

لكنّ هذه الترتيبات لم تطفئ نيران الإشتباك، فانتقلت إلى الإتصالات والعدل والطاقة والأشغال والصحة والتربية، ومع أنّ «الصحة» حُسمت لـ»حزب الله»، و»الإتصالات» لـ»المستقبل»، إلاّ أنّ الحقائب الباقية مرتبطةٌ بعضها ببعض. 

وبرزت مطالبة «التيار الوطني الحرّ» بـ»الأشغال»، فردّ «المردة» مطالباً بالطاقة، وبعد تخلّي «القوات» عن «الصحة»، بات البحث عن حقيبة بديلة شاقاً مع تمسّك «الإشتراكي» بالتربية، وترك «الإشتراكي» بلا حقيبة أساسية يعني حرمان الدروز هذا الحقّ. وكل الاتّصالات لم تنجح في إقناع «الإشتراكي» بالتخلّي عن التربية لـ»القوات» وتولّي العمل.

ولا يمانع «التيار الوطني الحرّ» بمنح الأشغال لـ»القوات»، لا بل يشجّعها على انتزاعها من «المردة»، لكنّ «القوات» حَذرةٌ جدّاً ولن تنجرّ الى لعبة الوزير جبران باسيل الذي وقف سدّاً منيعاً أمام نيلها حصّة وازنة ونقض «إتّفاق معراب»، ولن تدخل في مشكلة مع فرنجية وهي على أبواب المصالحة التاريخية معه، كما أنّ «القوات» لا تريد وزارة التربية التي باتت مبدئياً من حصّة جنبلاط قبل تأمين بديل يرضيه.

فيبدو أنّ هناك ثلاث قوى لم تحسم بعد نوعية حقيبتها الأساسية، وهي: «القوات»، «المردة»، و»الإشتراكي»، في وقت يؤكّد «التيار» وفريق رئيس الجمهوريّة أنّ وزارتي العدل والطاقة من حصتهما. 

ويستغرب البعض تسليم حقيبتين دسمتين وهما الصحة لـ»حزب الله» والإتصالات لتيار «المستقبل»، بعدما كانتا محورَ صدام قبل تأليف الحكومات السابقة.

لا شكّ في أنّ آخر البدع اللبنانية توزيع الحقائب على المذاهب، وفي حال توزّعت الحقائب الأساسية على «المردة» و»التيار الوطني الحرّ» ورئيس الجمهورية، و»حزب الله»، و»المستقبل» و»الإشتراكي»، تبقى «القوات» بلا حقيبة أساسيّة بالرغم من فوزها بـ 15 نائباً.

وبما أنّ مهمّة الرئيس المكلّف سعد الحريري بالبحث عن حقيبة أساسيّة لـ»القوّات» مضنية، فقد تنتقل المشكلة الى حقائب الدرجة الثالثة ومن بينها الزراعة والشؤون الإجتماعية.

وتشير المعلومات إلى أنّ الاشتراكي يريد الزراعة الى جانب التربية، في وقت ترغب حركة «أمل» بالإحتفاظ بها، لأنّ وزير الزراعة غازي زعيتر نجح في بإدارة الملفّ الزراعي عبر بيع المنتجات اللبنانية بأسعارٍ أرضت المزارعين.

ويتمسّك «الإشتراكي» بالزراعة التي كانت له تجربة فيها في حكومة الرئيس تمام سلام مع الوزير أكرم شهيب، لأنّها حقيبة تصنّف خدماتيّة على رغم أنها لا تدخل ضمن أندية الوزارات الكبيرة مثل الأشغال والصحّة.

ويسعى «الإشتراكي» دائماً في الحكومات المتعاقبة الى أن تكون له حقائب من نوع «الزراعة» و»البيئة» الى جانب حقيبة أساسية.

ومن جهتها، فقدّ طالبت «القوات اللبنانية» بحقيبة الزراعة عند تأليف حكومة العهد الأولى بعد انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، وتعتبر هذه الوزارة من أولوياتها، لكنّ التمسّك بها أو عدمه يبقى رهن نيلها حقيبة أساسيّة وأُخرى رديفة.

ويعود أحد الأسباب الأساسيّة لمطالبة «القوّات» بهذه الحقيبة الى أنّ قسماً كبيراً من المزارعين موجدوون في مناطق تؤيّد «القوات» خصوصاً في الشمال وزحلة والبقاع وجبل لبنان، وكانت للحزب تجربة فيها عندما اعتكف الوزراء الشيعة من حكومة السنيورة عام 2006، فتولّى وزير «القوات» آنذاك، جو سركيس، الذي كان وزيراً للسياحة، وزارة الزراعة بالوكالة.

ويبرز تنافس آخر على حقيبة لا تقلّ أهمية عن الزراعة وهي الشؤون الاجتماعية، تلك الحقيبة التي سطع نجمُها مع أزمة النازحين السوريين وباتت تتعاطى بشكل رسميّ وفعّال مع المجتمع الدولي والمنظمات الدولية، خصوصاً في فترة الوزير رشيد درباس.

وعلى الرغم من إحداث وزارة دولة لشؤون النازحين، حيث من المرجّح أن يشغلها النائب السابق مصطفى علّوش بديلاً من الوزير الحالي معين المرعبي، تبقى العين متّجهة الى تلك الوزارة التي هي حالياً من حصّة «القوّات»، وحاول الوزير بو عاصي إطلاق ورشة إصلاحيّة عبر التخفيف من عبء الموظفين فيها. وتودّ «القوّات» الإحتفاظ بها وعدم تكرار ربّما «غلطة» تخلّيها عن وزارة الصحّة وعدم تمسّكها بها قبل تأمين بديل، لكنّ هذه الوزارة ستكون إلى جانب وزارة أساسيّة ما تزال لم تنلها بعد.

ومع أنّ الأمور لم تتضّح، فإنّ الحزب التقدّمي الإشتراكي يطمح للحصول على وزارة الشؤون الإجتماعيّة التي تولّاها أبو فاعور في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، وذلك إذا لم ينل حقيبة الزراعة الى جانب التربية.

كذلك، تدخل حركة «أمل» على خطّ التنافس على هذه الحقيبة، فالحركة إكتفت بحقيبة سياديّة هي وزارة المال التي ستذهب الى الوزير علي حسن خليل، في حين أنّ حقيبة الصحّة ستكون وللمرّة الأولى من حصّة «حزب الله»، لذلك تبحث عن حقيبة خدماتيّة تعوّض لها النقص الذي سبّبته رغبة الحزب في تقاسم الحقائب الرئيسة للمرّة الأولى معها بعدما كان يكتفي بحقائب ثانويّة.

لكن، كل تلك السيناريوهات تبقى قابلة للتغيير وتتبدّل في أيّ لحظة ولا تصبح نهائية إلّا لحظة توقيع مرسوم التأليف.