هي حال بلدنا المزرية التي نعيش فيها ومن خلالها منذ اتفاق الطائف. فاللبناني يعيش في حالة «شفير الهاوية» النفسية كل يوم، لا بل يُجبر على العيش في تلك الحالة من قبل الطبقة المنتخبة إرادياً والحاكمة، خاصةً عند كل استحقاق وطني، صغيراً كان أو كبيراً.

لكن السؤال هو: هل صحيح أننا نعيش على شفير الهاوية؟

إذا راقبنا وحلّلنا بلدنا بكل مقوّماته، نرى أنّ جميع الأركان التي باجتماعها تُسمّى «دولة» قد انزلقت عن شفير الهاوية لتصبح في حالة السقوط الحرّ. فلنأخذ مثلاً حال الكهرباء، المياه، الطرقات، الطبابة، التلوّث، البطالة، الإقتصاد إلخ... نرى أنّ كل هذه القطاعات لم تعد على شفير الهاوية بل انزلقت وأصبحت فعلاً في حالة السقوط الحرّ.

فإذا أخذنا ما حصل في ألمانيا منذ بضعة أيام، نرى أنه عندما أقدمت الدولة على زيادة الضرائب على الوقود، كانت ردّة فعل الشعب الألماني حضارية جداً ألا وهي إطفاء جميع السيارات على الأوتوستراد والتخلّي عنها. وسرعان ما تراجعت الدولة الحضارية أيضاً عن قرارها؛ فكما يقول المثل الشهير «كما تكونوا يولّى عليكم».

إن هذه المقولة مهمّة جداً، فبرأيي هي السبيل الوحيد للوصول إلى برّ الأمان في لبنان.

للأسف لا يمكن تطبيق ما حصل في ألمانيا على حالة اللبنانيين وإلّا فيجب أن ينتحروا جميعاً لأنّ الحياة بأدنى مقوّماتها أصبحت ضريبتها غالية جداً في لبنان.

فإذا راقبنا ردّة فعل الشعب اللبناني تجاه حالة السقوط هذه لجميع قطاعات البلد، نرى أنّ التحرّك الوحيد لهذا الشعب الكسول هو النقّ فقط. فمن سخرية القدر وتأكيداً على مقولة «كما تكونوا يولّى عليكم»، نرى أن ردّة الفعل الوحيدة لحكامنا على كل ما نتج عن أفعالهم وعبقريّتهم هي النقّ على الإعلام.

فنسأل هنا، ما الذي يمكن أن يحرّك شعباً وحكاماً تجاه أدنى مقوّمات الحياة للعيش في عام 2018 كما يتحركون ويتفاعلون مع «انتصارات» فرق الدول الأخرى في كأس العالم لكرة القدم؟

للجواب على هذا السؤال، أظن أنه يجب العودة إلى عبارة «على شفير الهاوية». فهذه العبارة سيف ذو حدّين؛ فهي تعني في آنٍ معاً أننا نعيش في حالة سيّئة جداً ولكن تعني أيضاً أننا لم نسقط بعد. وبالتالي، فلا داعي للهلع وشلّ البلد.

وبعد، حتى لو سلّمنا واقتنعنا بأنّ البلد في حال السقوط الحرّ، ما الخوف من هذا السقوط إن لم يكن هنالك اصطدام بالأرض في النهاية.

أعتقد أنّ حكّام وطغاة هذا البلد قد ابتكروا بكامل ما أوتيوا من شرّ وقوة وحنكة ومهارة لإيجاد حلول وهمية وموقتة لكي يبقى الشعب في حالة السقوط الحرّ دون أن يصطدم بالأرض. فلم يعد السقوط الحرّ بالنسبة للبناني مخيفاً، فهو يعتمد دائماُ على أنه، حتى الآن، لم يؤدِ هذا السقوط إلى الاصطدام بالأرض لذا لا داعي للهلع؛ وهنا المصيبة!

في الواقع، إنّ أكثر شعوب دول العالم تستعمل مخيّلتها فقط لتوقّع ما يمكن أن يحصل عند الوصول إلى حالة «شفير الهاوية» ففي تلك الدول تأتي حالة الهلع عند التماس أنّ شفير الهاوية قد يأتي، وذلك خوفاً من السقوط وبالتالي الاصطدام بالأرض. فمن الثابت علميّاً، أنّ أكثر ما يخافه المرء هو غير المعلوم وغير المفهوم (أي المجهول)؛ وأبسط مثال على ذلك الخوف من الموت.

أما نحن في لبنان فجرّبنا الموت إلى حدٍ بعيد دون أن يتوقف نبض البلد كلياً. لذا فاللبناني لم يعد يخاف لا من شفير الهاوية ولا من السقوط الحرّ حيث لم يبرهن التاريخ اللبناني بعد أنّ الاصطدام بالأرض نتيجة محتّمة.

وعليه، أرى أنّ السبيل الوحيد للنهوض مجدداً ببلدنا الحبيب هو للأسف التحطّم الكلّي، لعلّ حالنا تكون حلماً عميقاً يستفيق منه اللبنانيون عند الاصطدام بالأرض. 

(المحامي فؤاد الشيخة)