«ما فينا نكَفّي هيك!». عبارة تختصر ما يدور في أذهان الاساتذة وأصحاب إدارات المدارس والاهالي على حدّ سواء. فرغم الهدوء الظاهري الذي يُرافق انطلاق العام الدراسي، تبيّن لمكوّنات الاسرة التربوية «مكانك راوح»، فالاساتذة: من دون الدرجات الست، الادارات يسألون «وَينيي الدولة تتحّمل مسؤوليتها؟»، أما الاهالي: «منقِصّ لحمنا لنعلّم ولادنا». فيما علمت «الجمهورية» انّ المدارس الكاثوليكية لا تزال في صدد الإعداد لإحصاءاتها وللجَردة حول نسبة تدنّي أعداد تلامذتها، بالاضافة إلى حجم الاقساط غير المحصّلة، وبحسب مصدر خاص: «فقد بلغت نسبة الاقساط «المكسورة» في مجموعة مدارس (أقل من 20) لرهبنة معيّنة نحو 9 مليارات».
 

فيما الاضواء مسلطة على إعداد الطبخة الحكومية، تتكثف اللقاءات والاتصالات، وتتواصل الاجتماعات بعيداً من الإعلام، وآخرها اجتماع مساء أمس في الصرح البطريركي في محاولة لتأمين عام دراسي بأقلّ إضرابات ممكنة وخسائر، وبهدف سحب فتيل الخلافات بين المكوّنات التربوية، إيماناً من سيّد الصرح البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، الذي مَثّله في الاجتماع المطران حنا علوان، بحماية وجه لبنان الثقافي.

في الكواليس


علمت «الجمهورية» انّ الاجتماع عُقد عند الخامسة، ويأتي استكمالاً للاجتماعات السابقة التي رعتها بكركي، بهدف إيجاد حل للأزمة التي انفجرت مع إقرار سلسلة الرتب والرواتب في المدارس الخاصة، وتمّ ترحيلها إلى العام الجاري. وقد ضمّ الاجتماع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، ومكتبا الرؤساء العامّين، والرئيسات العامّات وممثلين عن الكتل النيابية. وقد انقسم الاجتماع إلى قسمين، تركّز البحث عن حلول ممكنة تحديداً لعقدة الدرجات الست، وقد بقيت لجنة مصغرة تتابع ما تمّ بحثه، فيما ممثلو الكتل النيابية حملوا ما تمّ مناقشته إلى مراجعهم لمعرفة موقفهم، على أن يتبعه اجتماع لاحق يتم فيه توضيح أكثر للمواقف. في هذا الإطار، أكّد مصدر مواكب للاجتماع «انّه في الاجتماعات اللاحقة، وبعد ان تنضج الحلول، ستتم دعوة الاطراف كافة بما فيها نقابة المعلمين لمعرفة موقفها».

أمّا عن سبب عدم إصدار بيان عن المجتمعين، فيُجيب المصدر: «المسألة تحتاج إلى هدوء وترو كي تنضج، لا نريد نسف الحلول قبل أن تستوي، وقد أكّد المجتمعون حسن تعاونهم مع ممثلي الاساتذة وممثلي الاهالي للوصول إلى حلّ».

«على الدولة التدخّل»


في هذا السياق، يوضح مصدر تربوي مسؤول لـ«الجمهورية: «انّ الوضع على حاله منذ السنة الماضية، وتحديداً منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، يوم عمدت «الدولة» تَفَوّتنا بِبعضنا». ويتابع المصدر: «مؤسف ما نشهده، كل طرف متخوّف من الخطوة التي قد يُقدم عليها الطرف الآخر. فالادارات تتخوّف من إصرار نقابة المعلمين اللجوء إلى القضاء، والمعلمون يخشون من أن تُسلب منهم الدرجات، فيما يقف الأهل لا حول ولا قوة».

ويلفت المصدر إلى مشكلة عجز بعض المدارس عن تقديم موازنتها، فيقول: «نتيجة الخلافات والكباش الحاصل على الاقساط، بعض الادارات تعجز عن وضع موازنتها نتيجة كباشها مع الاهالي ولجان الاهل الذين ادّعوا على تلك الادارات، ما يزيد مسالة الدرجات الست تعقيداً، إذ من أين يمكن تأمين مطالب الاساتذة فيما الدولة في غيبوبة والاهالي على موقفهم «ما معنا»؟ مشيراً إلى «انّ الأزمة مرشحة للتوسّع أكثر وعلى نحو أخطر ما لم تتدخّل الدولة لضبط الامور»، فيردّد المصدر: «مش ممكن العام الدراسي يكَمّل على سلامة، الدولة عليها حلّ المشكلة».

المعلمون: عاتبون


وفيما تنشط «بكركي» على خط حل أزمة المدارس الخاصة، لاسيما الكاثوليكية، إيماناً منها بأهمية الحفاظ على وجه لبنان الثقافي وتأمين حرية التعلم للتلامذة، ينقل نقيب المعلمين رودولف عبود عتب النقابة والاساتذة، قائلاً: «غالباً ما تُعقد اجتماعات ولقاءات للبحث عن مخرج لأزمة المدارس من دون دعوتنا للمشاركة، علماً انّ معظم المشكلة هي معنا وتتركز في الدرجات الست. لذا، نحن عاتبون».

ويتابع في حديث لـ»الجمهورية»: «كنّا نأمل لو نكون شركاء في صنع الحل مع إدارات المدارس والمراجع التربوية، فمن غير المنطق التوَصّل إلى أي حل من دون معرفة رأينا وموقفنا مسبقاً، وإلّا تكون الغاية من الاجتماعات التوَصّل إلى حل «عَ حساب الاستاذ» و«مِن جَيبه». وتابع مستغرباً: «لتكوين صورة واضحة عن المشكلة يجب الاصغاء إلينا ومعرفة الامور من منظارنا؟!! يُعيّروننا اننا متصلبون وعلى موقفنا، وفي الوقت عينه لا يبادرون ويلاقوننا إلى منتصف الطريق».

لا ينكر عبود أنّ الاساتذة في أمسّ الحاجة للتعبير عن غضبهم نتيجة الظلم بحقهم، فيقول: «لم نعلن أيّ تحرك منذ انطلاق العام الدراسي، ليس لأننا راضون عمّا يحصل وإنما ننتظر تشكيل الحكومة، وان تتوضّح الصورة، ولكن في الحقيقة لا نزال نراوح مكاننا، والوضع لا يُحتمل». ويؤكّد بنبرة حاسمة: «لن نرضى بأيّ حل على حساب المعلمين وبمعزل عن رأي نقابتهم».

إلى القضاء درّ


رغم انّ الاساتذة لم يتحركوا أو يدعوا إلى التظاهر أو الاضراب بعد، «إلّا اننا لم نوقف تحركنا لحظة»، على حد تعبير عبود الذي يوضح: «تصعيدنا استمر عبر اللجوء إلى القضاء والمحاكم، ورفع دعاوى على إدارات بعض المدارس وعلى صندوق التعويضات. ولا نزال في أخذ ورد، بانتظار صدور الاحكام».

وأضاف: «بعض الزملاء لم يتقاضوا مستحقاتهم بذريعة عدم تسديد مدارسهم ما يتوجّب للصندوق، علماً انّ القانون لم يلحظ هذه المسألة ضمن مواده. ما ذنب الاستاذ إذا كان يُقتطع من راتبه للصندوق وإدارة مدرسته لم تسدد ما يتوجّب عليها للصندوق؟ لماذا من الاساس لم تُتابع مسألة الادارات لإجبارها على تسديد متوجباتها؟ المؤسف أنهم يحاولون تكبيد الاستاذ فاتورتين ليجد نفسه في نهاية المطاف عند التقاعد من دون أدنى حقوق مَنحَها إيّاه القانون».

وعلى رغم خشية بعض الاساتذة من سيناريو التراجع عن منحهم الدرجات الست، على اعتبار «نحن بلد العجائب»، يؤكّد عبود: «القوانين واضحة وليس بوسعهم فِعل شيء، الدرجات الست من حقنا كأساتذة ومتقاعدين».

فيما تحرص بكركي على العمل بصمت، يبقى الرهان عمّا يمكن أن تحمله الايام المقبلة من انفراجات تضمن للتلامذة عاماً دراسياً هادئاً.