هل مستقبل محمد بن سلمان على المحك؟
 

أصبحت قضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي أولوية على أجندة الدبلوماسية العالمية من أميركا إلى أوروبا وصولاً إلى تركيا ودول الشرق الأوسط.

فالدور الإعلامي الكبير الذي كان يلعبه الرجل في العالم، وحجم الإنتقادات ونوعيتها التي كان يوجهها لأداء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كانت كافية لتحويل نهايته المأساوية إلى قضية رأي عام عالمي تفرض سياسات معينة على الدول ذات القرار.

ودخلت القضية أسبوعها الثاني، وبات مؤكداً أن الرجل تمت تصفيته داخل القنصلية السعودية في تركيا، حيث ثبت دخول الرجل إلى مبنى القنصلية وعلى لسان محمد بن سلمان نفسه في مقابلته الأخيرة مع بلومبرغ لكن السلطات السعودية عجزت حتى الآن عن تقديم دليل واحد ملموس عن خروجه من مبنى القنصلية.

أضف إلى أن الإرتباك السياسي الرسمي السعودي في كيفية التعاطي مع القضية ومحاولة تأخير دخول فريق التحقيق التركي إلى داخل القنصلية ورواية كاميرات المراقبة التي لم يقتنع بها حتى مروجيها والتعاطي بسطحية مع القضية عبر نفي دخوله القنصلية تارة وإعادة تأكيد دخوله مرة أخرى وإختفائه، كلها مؤشرات توحي إلى ثبوت التهمة على السعودية حتى الآن.

إقرأ أيضًا: المؤتمر العام الموعود لحركة أمل ... هل خابت الظنون؟

لكن الأهم في القضية هو كيفية تقديم الرواية الرسمية ومحتوى هذه الرواية للرأي العام العالمي بطريقة تحفظ ماء وجه المملكة وتؤمن مصالح الآخرين.

في هذا الشأن، كان لافتاً ما قاله الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن الموضوع، وبدا كأنه ناطق إعلامي رسمي بإسم المملكة داخل الولايات المتحدة الأميركية، حيث حاول التعويض عن فشل اللوبيات ومراكز الأبحاث والدراسات الممولة سعودياً داخل أميركا والتي لم تنجح في تحقيق توزان مع الطرف الآخر، لدرجة أن السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن سألت عن "الثمن الذي تلقاه ترمب من  السعودية حتى يصبح أحد أبواقها".

والثمن هنا متعلّق بأربعة دول أساسية لها علاقة مباشرة بما يجري اليوم، وهي أميركا وتركيا والسعودية وقطر.

لا شك أن أميركا ترمب تريد المزيد من صفقات الأسلحة والعقود التجارية مع السعودية وهذا ما ألمح إليه ترمب منذ أسابيع بكلامه عن فحوى الإتصال مع الملك سلمان.

فمقابل أن يتم إيجاد "تخريجة" جيدة ومناسبة للسعودية لا بد من الدفع، وترمب قالها مسبقاً إذا أردتم الحماية عليكم أن تدفعوا، واليوم السعودية بحاجة إلى الحماية من هذه الورطة. 

لكن المشكلة هنا هو الرأي العام العالمي وكيفية إقناعه، وهذا الرأي العام تُحرّكه وسائل إعلام وصحافيين ومراكز أبحاث تعكس وجهته وتُوصل رسائله إمبراطورية إعلامية تقودها قطر، وقد أثبتت نجاحها.

إقرأ أيضًا: دولة العلوج ... عندما يُحسن جنبلاط توصيف الواقع

فالقطري والتركي في هذا السياق ذات مصلحة واحدة، وهي خفض الضغوطات وإيقاف العقوبات السياسية والإقتصادية إلخ عن جماعات الإخوان المسلمين في المنطقة ورفع الحصار عن قطر وحلّ الأزمة معها.

لذلك يتطلب الأمر عقد صفقة كبيرة على دماء خاشقجي تكون مقدّمة لإنهاء أزمة الخليج السياسية وتُعطي ورقة رابحة لترمب على باب الإنتخابات الأميركية عبر عقد صفقات.

لكن هناك من يذهب في تحليلاته أبعد من ذلك، ليقول أن مستقبل محمد بن سلمان نفسه مهدّد وأن إغلاق هذه القضية لن يتم إلا بإزاحته عن العرش.

كل هذه السيناريوهات مطروحة لتقديم سرد يُرضي الرأي العام العالمي بالشكل لكن يُؤمّن مصالح الجميع في المضمون، ويبدو أن السعودية ذاهبة لدفع ثمن سيكون أقل خسارة لها من أن تُقدّم الحقيقة كما هي في موضوع جمال خاشقجي.

واللحظة الحقيقية لمعرفة ما ستؤول إليه الأمور هي عند تقديم التقرير التركي الرسمي، التقرير الذي سيعكس حجم الثمن الذي دفعته السعودية ومن المستبعد أن لا تدفعه.