ستة أشهر استلزمت الحكومة لكي تولد وهي تطبخ الآن في ربع الساعة الأخير. ستة أشهر من العنتريّات ورفع السقوف والنزاع على الحقائب، وتبديل المواقف ووضع المعادلات والمعايير. ستة أشهر من الخسائر الاقتصادية التي كادت تهدد النقد والليرة، والتي أستكملت مسلسل تعريض صورة البلد عربياً ودولياً لمزيد من الانهيار، وليس أدلّ على ذلك من كلام مُعلَن ومضمر سمعه المسؤولون من قادة أجانب مفاده «أنكم تخاطرون بنزع الثقة نهائياً بمصير لبنان وأنكم ستُتركون لمصيركم إن لم تشكّلوا حكومة في أسرع وقت، وعندها لا ينفع الندم».
 

تقول أوساط سياسية مطلعة على الربع الساعة الأخير، أنّ قراراً اتُخذ بتأليف الحكومة في أسرع وقت، وقد ترجم فوراً بتبدّل اللهجات السلبية الى ايجابية، وانتقل المتصلبون الى التعاون البنّاء.

وتربط هذه الاوساط بين ما حصل واللقاء الذي جمع في يريفان الرئيس ميشال عون بالرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي أعلمه أنه ما لم تُؤلّف الحكومة في أسرع وقت، فإنّ فرنسا ستسحب يدها من تبنّي مؤتمر «سيدر» ورعايته.

وتضيف أنّ وزير الخارجية جبران باسيل الذي حضر اللقاء عاد الى لبنان وبرم البوصلة الى التعاون بدل التعنّت، فالتقى الامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله الذي وضعه في أجواء وجود قرار نهائي بتأليف الحكومة في أسرع وقت، وبدأ البحث الجدّي في التأليف.

وتكشف الاوساط أنّ القرار الكبير الذي اتُخذ بتأليف الحكومة، أدّى الى الخلاصات الآتية:

ـ أولاً: تثبيت حصة رئيس الجمهورية التي ستكون 3 وزراء على أن تكون حصة «التيار الوطني الحر» 7 وزراء، وهذا أصبح محتوماً.

ـ ثانياً: تثبيت حصة «القوات اللبنانية» التي ستكون 4 وزراء من ضمنهم نائب رئيس الحكومة، ويمكن «القوات» أن تتخلى عنه إذا ما قبل باسيل بإضافة حقيبة الى حصتها، وبات شبه مرجّح أن تنال «القوات» حقيبة وزارة العدل، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وهي تخلّت عن حقيبة وزارة التربية للحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط لسببين:

أولهما ترجمة العلاقة التحالفية مع جنبلاط واعتبار انّ وزارة التربية إذا بقيت مع «الاشتراكي» فهي مع طرف حليف. وثانيهما تفادي إمساك كرة نار هي على تماس مع مطالب مزمنة للمعلمين، ومع أزمة المدارس الخاصة ومنها المدارس الكاثوليكية وأزمة الأقساط، وبالتالي فإنّ «القوات» سلّمت لـ«إلاشتراكي» نهائياً بحقيبة وزارة التربية.

ـ ثالثاً: تثبيت حصة جنبلاط على أن تكون وزيرين درزيّين ونصف وزير، مع ضمان استبعاد توزير النائب طلال أرسلان، وسيكون الوزير الدرزي «الملك» قريباً من أرسلان وجنبلاط، ومن بين اسماء عدة توزير أحد الأسماء من آل صالحة.

ـ رابعاً: تمّ تثبيت وزارة الاشغال من حصة تيار «المردة»، على رغم أنّ «التيار الوطني الحر» لا يزال يعمل على انتقال هذه الحقيبة الى «حزب الله»، على الرغم من أنّ «الأشغال» استعملها تيار «المردة» ليحرم «التيار» من خدماتها، كذلك استعملها وزارة خدماتية في الانتخابات، وسيطرح باسيل في اللحظات الأخيرة تبادلاً بين «حزب الله» و»المردة» في حقيبتي وزارتي الصحة والأشغال بحيث تؤول «الصحة» الى «المردة»، وهناك سبب آخر لإصرار التيار على حرمان «المردة» من «الأشغال»، وهو تصوير النائب السابق فرنجية في السباق الرئاسي المقبل على أنه غير قادر على الاحتفاظ بحقيبة مهمة، وأنّ التيار هو مَن يقرّر توزيع الحقائب في الوزارات التي يحصل عليها المسيحيون.

في الساعات أو الأيام المقبلة ستولد الحكومة الجديدة، وستنتقل توازناتٌ جديدة الى داخلها مختلفة نسبياً عن توازنات الحكومة الحالية. وإذا كان «حزب الله» قد ضمن ولادة حكومة غالبية لمصلحته، في مرحلة ما قبل تطبيق العقوبات عليه وعلى إيران، فإنّ الأطراف الآخرين، سيبدأون فصلاً جديداً من فصول النزاع على طاولة مجلس الوزراء، لكن هذه المرة مع وضوح أكبر في الأهداف وخصوصاً تلك المرتبطة بالمعركة الرئاسية المقبلة.

تدخل «القوات اللبنانية» الى الحكومة من دون «جميلة أوعى خيك»، كذلك تدخل متفاهمة مع «المردة» على مصالحة تبدو أكثر ثباتاً من مصالحة «القوات» و»التيار»، ويدخل التيار على وقع هدم مصالحة معراب، واهتزاز العلاقة مع تيار «المستقبل»، وتماسكه مع «حزب الله»، هذه التوازنات الجديدة سوف تترجم نفسها بمتاريس وتحالفات جديدة، ستشمل كل القضايا التي كانت مؤجّلة والتي ستفتح على مصراعيها فور تلاوة مرسوم تأليف الحكومة الجديدة.