تبدو الحكومة وكأنها تطرق باب التأليف، وقطعت المحاولات الحثيثة لتوليدها شوطاً كبيراً جداً في طرد الشيطان من التفاصيل. والقوى السياسية جميعها باتت تتصرّف وكأنّ الحكومة، التي ضاعت لأكثر من 4 أشهر في متاهة التعقيدات والشروط والمكايدات، تبعد بضع ساعات عن غرفة الولادة.
 

بالتأكيد انّ هذه الإيجابية تلقي بظلالها المريحة على المشهد الداخلي بشكل عام، الّا انّ الشرط الاساس لاكتمال هذه الإيجابية يكمن في الخروج من المنطقة النظرية وترجمتها على أرض الواقع، خلال الساعات المقبلة. خصوصاً انّ القوى السياسية مُجمعة على انّ المناخ الإيجابي جدي هذه المرة، وليس مجرّد نوبة مؤقتة كتلك التي سادت في المرات السابقة.

والواضح في هذا السياق انّ الجو العام محكوم بما يشبه «المُسَلّمة»، التي تفيد بأنّ أيّاً من الأطراف لا يريد تأخير تشكيل الحكومة، فالسِمة العامة هي التسهيل. واذا كتب لهذا التسهيل أن يسلك بسلاسة، فالحكومة ستولد آخر الأسبوع.

إستنفار كامل في بيت الوسط، والرئيس المكلف سعد الحريري شغّل محركاته في كل الاتجاهات، فالأيام الحالية بالنسبة إليه حاسمة، ولم يعد هناك أي مجال لمراوحة وتضييع للوقت والفرص.

أمّا رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، فكل جهده مُنصبّ في اتجاه إبصار الحكومة النور في أقرب وقت ممكن، وقد أبلغ كل مَن التقاه في فترة المخاض الحكومي الحالي: «أنا أعمل على تذليل كل العقبات وتسهيل مهمة الرئيس المكلف، وحيث أستطيع أن أبذل جهداً سأفعل ذلك».

واضح انّ العقدة الدرزية قد حلّت بالكامل وحصل وليد جنبلاط على وزيرين درزيين، امّا الوزير الدرزي الثالث فسيحدده رئيس الجمهوريهة بالتفاهم مع الرئيس المكلّف، خصوصاً انه تسلّم نهار أمس لائحة من طلال ارسلان تضمّ مجموعة أسماء لشخصيات درزية غير حزبية، وفي «اللقاء المريح» مع وليد جنبلاط بعد الظهر، تسلّم منه لائحة بشخصيات درزية ليختار منها.

وواضح أيضاً انّ عقدة تمثيل «القوات اللبنانية» اقتربت من الحسم النهائي لها، بحصولها على موقع نائب رئيس الحكومة، وعلى 3 حقائب أخرى دخل التفاوض حولها مراحله النهائية وفي أجواء توحي بحلحلة فعلية.

ومع حسم عدم إشراك نواب سنّة المعارضة في الحكومة، تبقى عقدة الأشغال ولمَن ستؤول؟ وهل ستبقى من حصة تيار «المردة» أم ستسحب منه؟ في ظل الاعتراض الشديد الذي يُبديه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، ليس فقط على إبقائها بيد «المردة»، بل إسنادها الى الوزير يوسف فنيانوس.

علماً انّ الأجواء المحيطة بهذه المسألة ترجّح إسنادها مجدداً الى فنيانوس. إذاً، البلد في انتظار أن يتصاعد الدخان الأبيض من مدخنة الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وفي فترة الانتظار هذه التي قد لا تطول كثيراً، هناك سؤالان يفرضان نفسيهما حيال هذا المستجد:

- طالما انّ القوى المتصارعة على الحقائب والأحجام وصلت الى هذا المخرج التوافقي للحكومة، ونزلت عن شجرة الشروط التعجيزية التي تسلّقتها وثبتت عليها لِما يزيد عن 4 أشهر، فلماذا تضييع كل هذا الوقت؟ ألم يكن في إمكانها أن تنزل قبل 4 أشهر؟

- ما الذي دفع القوى السياسية الى أن تغادر حلبة المصارعة وتسلك طريق الإيجابية؟

هناك من يفترض انّ بعض المستويات اللبنانية تلقّت إشارة من مكان ما جاءت على شكل نصيحة مزدوجة، تفيد في شقها الأول أنّ العالم منشغل بالكامل عن لبنان، ومهما طال الزمن لن تكون هناك أي مبادرة خارجية لحل أزماته، وخصوصاً الأزمة الحكومية التي طالت بلا أي طائل.

كما تفيد في شقها الثاني انّ بعض الدول الإقليمية التي يمكن ان تكون لها أصابع ما في عملية التأليف والتعطيل، مشغولة اليوم بكيفية تجاوز «أزمة معقدة جداً» أدخلتها في إحراج كبير مع كل العالم، وفي مقدمته أقرب حلفائها الدوليين. تبعاً لذلك، يمكن للبنان ان يستغلّ هذا الوقت الثمين ويشكّل حكومته من دون إبطاء، بما يُخرج استقراره من خانة «المهدد» ويُدخله فعلاً الى واحة الاستقرار المثالي وسط منطقة تغلي من حوله.

وهناك من يقول انّ واحداً من أسباب التعجيل، هو الحَثّ الفرنسي على تشكيل الحكومة الذي لمسه رئيس الجمهورية من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي أكد أهمية تشكيل الحكومة بالنسبة الى عمل المؤسسات في لبنان، وكذلك بالنسبة الى تنفيذ مقررات «سيدر». والذي اقترن بتنبيه صريح الى انّ الثقة الدولية بالمؤسسات اللبنانية قد تتعرض للخلل اذا استمر الوضع الحكومي على حاله الراهن. ومؤكداً بشكل قاطع انّ الكرة في ملعب اللبنانيين، الذين عليهم ألّا يتوقعوا أي ضغط او تدخّل فرنسي مباشر او غير مباشر في عملية تأليف الحكومة في لبنان.

ولرئيس مجلس النواب نبيه بري قراءته للتطور الايجابي على خط التأليف، رادّاً السبب الأساس لبروز هذه الإيجابيات، الى الوضع الاقتصادي وحراجته.

ولكن، هل ثمة إشارة خارجية حرّكت المسار الحكومي؟

ينفي بري ذلك، ويقول: فلنقل إشارة اقتصادية... واضح انّ الكل يستشعر الخطر المُحدق بوضعنا وباقتصادنا.

ويضيف: من الأساس أنا لم أكن مقتنعاً أبداً بوجود عقدة خارجية معطّلة لتأليف الحكومة. بدليل انّ الأمور التي تعقّدت من البداية هي نفسها ويجري تذليلها... ولو كان هناك ضغط خارجي للتعطيل لَما كنّا شهدنا تنازلات، بل لكان التنازل الذي يحصل فاضحاً، وعلى غير الصورة التي حصل فيها وسَهّل التأليف.

بري، ظلّ على تواصل من جنيف ببيروت، محاولاً أن يلتقط المزيد من الإيجابيات التي تعجّل بالمخاض الحكومي.

الأجواء التي وقف عليها جعلته يؤكد انّ تقدماً ما يشهده مسار التأليف، فأوضح: «أنا دائماً أقول: ما تقول فول ليصير بالمكيول. أمّا الآن، وربطاً بالتقدم الذي نراه، أستطيع ان أقول إنّ المكيول أمامنا والفول أمامنا، ولا يبقى الّا أن يوضَع الفول بالمكيول.

وعندما يُسأل بري: هل يمكن أن نشهد تشكيل حكومة سريعاً؟

يجيب: إن شاء الله، أنا على تواصل مع بيروت... حتى الآن ما يزال هناك بعض النقاش حول بعض الأمور والتفاصيل، وإن شاء الله تصل الأمور الى الخواتيم الإيجابية وتشكّل الحكومة في أقرب وقت. خلاصة الكلام: أجواء بيروت تتقدّم، وانشالله خير.