منذ عودته من القمة الفرنكوفونية يلتزم رئيس الجمهورية ومصادره الصمت رغم الأقوال الكثيرة التي حملتها وسائل الإعلام عن تعرضه لضغوط دولية، وتحديداً فرنسية للإسراع في تشكيل الحكومة حتى لا تضيع المليارات الإحدى عشر التي أقرها المجتمع الدولي في مؤتمر سيدر، وبالرغم أيضاً من الوعود التي أطلقها الرئيس المكلف سعد الحريري من القصر الجمهوري بعد اجتماعه إلى الرئيس عون من أن حكومة العهد الأولى ستبصر النور في غضون أسبوع أو عشرة أيام على أبعد تقدير.

وهذا الصمت الذي يلف دوائر القصر الجمهوري يطرح مجموعة من الأسئلة المحيرة، عن الأسباب الكامنة وراء هذا الصمت، وهل يعني ان رئيس الجمهورية لم يأخذ التحذيرات الدولية بعين الاعتبار، وهل أن التفاؤل الذي عبر عنه الرئيس المكلف بعد اجتماعه به عن قرب ولادة الحكومة لا يعدو كونه مجرّد «ترقيد» للرأي العام اللبناني الذي يعيش حالة القلق، وآن العقد التي تحول دون التأليف ما زالت على حالها.

الأجوبة على هذه الأسئلة جاءت من عند رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل في إطلالته التلفزيونية، وكانت كافية للتأكد من أن أزمة التأليف مستمرَّة، وستستمر إلى ان يحصل التيار وتكتل لبنان القويي على الحصة الوازنة في الحكومة العتيدة، أي على الثلث المعطل من جهة، وعلى حكومة مطواعة له وللعهد من جهة ثانية، وهذا الموقف أشغل كل الجبهات السياسية من القوات اللبنانية التي اعتبرت المواقف التي أطلقها الوزير باسيل تشكّل افتئاتاً على صلاحيات الرئيس المكلف، كما اعتبرت بأن هناك مخططاً مدروساً داخل البيت الواحد لاقصاء القوات عن الحكومة، وأن مثل هذا المخطط لا يمر لأنها- القوات- على تفاهم مع الرئيس المكلف على حكومة وحدة وطنية تكون متوازنة، والأمر كذلك مع رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي، فهل بعد ذلك يقدم العهد على خطوة من هذا النوع، تطيح بالتسوية الرئاسية وتقضي على كل أحلام العهد بالاستقرار السياسي التي تسهم في تحقيق الإصلاحات التي وعد بها رئيس الجمهورية اللبنانية بعد أيام معدودة من الانتخابات الرئاسية.

ولم تكتف القوات بهذا القدر من التصعيد بل ذهب نائب رئيس الهيئة التنفيذية النائب جورج عدوان في معرض رده على سياسات الاقصاء التي يعتمدها رئيس التيار الوطني الحر إلى أبعد من «حصار» العهد، وإلى أن القوات في حال صحت المعلومات المتداولة ستعيد النظر في الحصة الوزارية المعطاة لها من قبل الرئيس المكلف ولا يستبعد ان تعيد النظر أيضاً في كل التشكيلة الحكومية الراقدة في مكتب رئيس الجمهورية منذ أكثر من شهرين، كافيين للدلالة على أن الرئيس المكلف قام بكل ما هو متوجب عليه ومقتنع به، وأن الطابة هي في ملعب رئيس الجمهورية بوصفه الشريك الأوحد في عملية التأليف، وفي إصدار المراسيم.

هذه الحالة التي وصلت إليها عملية التأليف تشي بأن الأزمة الحكومية ما زالت طويلة، وأن النصائح أو التحذيرات الدولية والماكرونية تحديداً ذهبت أدراج الرياح، بالرغم من أن المصلحة العامة تحتم على المسؤولين تلقف هذه النصائح وتقديم كل التنازلات للتسريع في تشكل الحكومة وإغلاق هذا الملف.