من يحمي لبنان من عواصف الفساد والهدر والمحسوبيات؟
 

تُبحر سفينة وطني لبنان في بحر الخلافات العربية التي تتشابك فيه المصالح والصراعات والتحالفات الإقليمية والدولية، وتدور فيه معارك طاحنة بين مختلف دول العالم الطامحة إلى البحث عن مواطىء أقدام لها في منطقة الشرق الأوسط أو لحماية قواعدها السابقة، وتتلاطم الأمواج العاتية على هذه السفينة التي تهب عليها من كل الجهات ما يجعلها عرضة لاهتزازات عنيفة تتهددها بالغرق في قاع الصراعات والاختلافات الداخلية التي قد تؤدي بالبلد إلى حروب أهلية بين أبناء الوطن الواحد كان قد اعتاد عليها اللبنانيون في العديد من المحطات التاريخية السابقة، سيما وأن هذه السفينة تبحر على غير هدى مع غياب الرؤية الحكيمة لدى الربان ومعاونوه الذين يفتقدون إلى الحد الأدنى من الحس الوطني والغارقين في حساباتهم الخاصة ومصالحهم الشخصية التي يستميتون للدفاع عنها. 

على أن الأخطار الكبرى التي تضاعف منسوب إمكانية غرقها هي ضعف المناعة لدى الأجهزة العاملة على تحريكها والحمولة الزائدة التي تفيض عن إمكانية قدرتها على مجابهة الأنواء البحرية التي تعصف بها، ذلك أن هذه السفينة محملة بأثقال من الأزمات المعقدة والمشاكل المتراكمة والمتشابكة. 

إقرأ أيضًا: الدولة ليست صندوقًا

فمن الأزمات الدستورية التي تشكل مادة دسمة للصراع بين أفرقاء الداخل حول جنس الملائكة لدى أي استحقاق رئاسي أو نيابي أو وزاري ما يعطل إنجاز هذه الاستحقاقات في مواعيدها حتى تأتي كلمة السر السحرية من الخارج، إلى المشاكل المتعثرة حول الملفات الخدماتية كملف الكهرباء الذي يرهق الخزينة بأعباء مالية تتجاوز الملياري دولار سنوياً تذهب إلى جيوب المتسللين إلى مواقع النفوذ في هذا المرفق الحيوي ودون أن يتم بث الحياة في التيار بشكل منتظم ودائم رغم مرور ما يقارب الثلاثة عقود على انتهاء الحرب الأهلية إلى ملف النفايات الذي لم يهتد المعنيون به إلى إيجاد الحلول الملائمة التي تجنب المواطن مخاطر الأمراض والأوبئة التي يتسبب بها رمي القمامة في الشوارع والازقة وعلى أطراف المدن والقرى بطريقة عشوائية، إلى ملف مياه الشرب الملوثة التي لم تعد صالحة حتى للاستخدام المنزلي والري وملفات إنفلات الأسعار بشكل جنوني على كافة المواد الغذائية والأدوية وفاتورة الاستشفاء والقسط المدرسي، مع غياب الضمير لدى اغلب التجار والمحتكرين وأصحاب المدارس والمستشفيات الذين يستغلون تعطيل لجان المراقبة والتفتيش للإفلات من المحاسبة، إلى ملفات الفساد وهدر المال العام واستغلال المناصب لعقد الصفقات المشبوهة والرشاوى والسمسرات إلى آخر قائمة المشاكل والأزمات التي يصعب حصرها وحتى تعدادها لكثرتها. 

ودون أن يبادر أي فريق سياسي أو حزبي لوضع خطة لمعالجة أي من هذه المشاكل بلحاظ أن أي معالجة تكون مؤقتة وتأتي على حساب مصلحة البلد والمواطن وتحقيق المكاسب لهذا الفريق أو ذاك بالتكافل والتضامن فيما بينهم وهذه الملفات تتضخم وتتفاقم حتى ناءت بها سفينة البلد والمعرضة لخطر الغرق في القاع إذا لم يبادر أركان السلطة وعلى وجه السرعة لوضع خطط ومشاريع للبدء بمعالجة هذه المشاكل للتخفيف من حمولة السفينة قبل فوات الأوان، وتجنباً لإنفلات حبل الأمن وشيوع فوضى البحث عن لقمة العيش وانزلاق البلد حكماً إلى حروب ومعارك داخلية تسفر عن ضياع الوطن في لحظة لم يعد ينفع معها الندم.