ليت المسألة مشكلة وزير بالزائد لـ«القوات اللبنانية» أو وزير بالناقص لـ«التيار الوطني الحر».

وليت العقدة مشكلة توازنات وحسابات إقليمية، يختبئ خلفها هذا الفريق، أو يستقوي بها ذاك الفريق.

وليت الأزمة سببها منازلة مبكرة على وضع حجر الأساس منذ اليوم لاستحقاق انتخابات رئاسية وكأنها حاصلة غداً.

وليت المصيبة محصورة في معركة وضع اليد على الحقائب الوزارية الدسمة.

المشكلة الحقيقية أعمق وأكبر، وإن كان أحد لا يريد الاعتراف بها.

كلّما واجهَنا استحقاق، تسلّحنا بالتعطيل،

وكلما دعينا الى استحقاق لجأنا الى الفراغ،

حتى بات التعطيل والفراغ جزءاً من الفولكلور السياسي العجيب في لبنان.

وكلما طرحت قضية ضاع فيها الحق، وغرق الأنصار والأزلام، حتى الوزراء منهم، في هاوية مزايدات وحاوية شتائم، لم تشهدها سوق عكاظ.

وفيما تطمح غالبية اللبنانيين الى بناء دولة حديثة، تتناتَش الغالبية العظمى من القوى السياسية النافذة أشلاء دولة لم يبقَ لها لا حول ولا قوة.

لا الخطر الاقتصادي يهزّ غفوة أهل السلطة، ولا الخطر المالي يرفّ لهم جفناً،

ولا تهديدات الحرب الاسرائيلية تعني لهم شيئاً، ولا إعادة ترسيم الحدود والنفوذ في المنطقة تشغل لهم بالاً.

يستحيل بناء دولة حديثة بأدوات بالية، ويستحيل إنقاذ اللبنانيين من العَوز والبطالة والنقمة والهجرة، باستمرار العجز والعتمة، وفوضى الحكم بالتفريغ والتعطيل.

ليست المشكلة المستعصية في مَن مِنَ القوى السياسية على حق؟ وإنما في التمادي بالمحاصصات والمغالاة في تبادل الاتهامات وحرمان اللبنانين من أي حق.

ليست المشكلة في الطوائف والمذاهب، وإنما في فدرالية أمر واقع، فدرالية طوائف ومذاهب، لا تجيد غير الإقصاء والالغاء، وتقاسم المغانم حيناً والتقاتل عليها أحياناً، ولا تحيد عن حماية الفساد ومنع المحاسبة وشلّ مؤسسات الدولة.

المشكلة الحقيقية هي انّ النظام أصبح مختلاً ومتخلخلاً ولا ينتج إلّا أزمات وانقسامات، ولا يزيد البلد إلّا فساداً وغرقاً في وحول الفراغ والتعطيل.

باتت المسألة وجود وطن. وفي زمن تسقط فيه دول أكبر وأكثر مناعة من لبنان في أتون الحروب والارهاب ومصالح القوى الكبرى، لا تحفظ الأوطان بالشعارات والاقتتال على الصفقات والسمسرات والمكاسب والمغانم.