تبدّل الكلام السياسي لوزير الخارجية جبران باسيل خلال يومين. فقبل ساعات من القمة اللبنانية ـ الفرنسية في أرمينيا والتي شارك فيها كان كلامُه متشائماً حيال امكانية التوافق على التشكيلة الحكومية، ولكن وبعد يوم على القمّة صار أكثرَ حدّةً في هجومه على «القوات اللبنانية»، ولكنه تحدث للمرة الأولى ربما عن حكومة ستولد، في إشارة الى أنها لم تعد بعيدة.
 

قال باسيل ما حرفيته إنّ الرد على محاولاتهم عرقلة الحكومة يكون بتأليفها بما يعكس في الحدّ الادنى نتائج الانتخابات. وفي كلامه هذا عبارة «في الحدّ الادنى» ما يعكس مرونة وحلولاً لنقاط الخلاف. وفي كلام باسيل ايضاً موقف حاسم تجاه تيار «المستقبل» بأنّ التسوية التي حصلت مع انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية تُحتضر.

فهو قال ما حرفيته: «لقد أقمنا مع «المستقبل» تسوية لم تعد كافية إن لم تتحوّل تساوياً في الحكم». وهو قال ايضاً ما هو أهم عندما تطرّق الى الوضع الاقتصادي معتبراً «أنّ علينا حماية لبنان من انهيار اقتصادي محتمل»، وهو بهذه العبارة قد يكون نقل «روح» القمة اللبنانية ـ الفرنسية.

وقبل هذه القمة كان الرئيس سعد الحريري قد ألزم نفسه بمهلة العشرة ايام لولادة الحكومة. هو تسرّع في اعلان المهلة وتحديدها، لكنه كان يعكس بلا ادنى شك ثقةً بأنّ شيئاً ما قريب وسيدخل على الخطّ لإزالة العقبات. كان الحريري فعلياً يراهن على الضغط الفرنسي من خلال القمة اللبنانية - الفرنسية. والواضح أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يسير على خطى أسلافه منذ جاك شيراك من خلال إيلاء الحريري عناية خاصة. وقبل موعد انعقاد القمة اللبنانية- الفرنسية والتي أصرّ ماكرون على أن يحضر باسيل جانباً منها، مهّدت الديبلوماسية الفرنسية جيداً لها، وواكبتها بزيارة السفير دوكان المسؤول عن ملف «سيدر» لبيروت.

وبخلاف العادة فإنّ المصادر الفرنسية التزمت الصمت حيال ما دار في القمة، واكتُفيَ بالمعلومات التي وزّعها الجانبُ اللبناني وبتصريح عون أنّ موضوع تأليف الحكومة اللبنانية يُبحَث في بيروت وهو شأن لبناني. 

المصادر الفرنسية تحدثت فقط عن قمّة إيجابية. لكن ما إن عاد عون الى قصر بعبدا حتى بادر الحريري الى طلب موعد للقائه هذا الأسبوع حيث سيقدّم تشكيلة حكومية ستخضع لبعض الروتوش وعلى أمل أن تؤدّي الى الولادة الحكومية.

في يريفان حضر الى جانب الرئيس الفرنسي مستشاره الديبلوماسي فيليب ايتيان، واللافت أنّ هذا الاخير كان عمل نائباً لمدير مكتب وزير الخارجية السابق هيرفيه دو شاريت ما بين 1995 و 1997. وهو شارك من خلال موقعه في الشهادة على ولادة «تفاهم نيسان» إثر حرب «عناقيد الغضب» عام 1996.

كذلك، عمل مديراً لمكتب وزير الخارجية السابق برنارد كوشنير ما بين 2007 و 2010 يوم رعت فرنسا ولادة «اتفاق الدوحة» بتفاصيله الحساسة وتداخله مع النزاع الجديد في الشرق الأوسط بين السعودية وإيران.

من هنا فإنّ لإشراك ايتيان في القمة اللبنانية ـ الفرنسية معناه وعلاقته بالتفاصيل اللبنانية بدءاً من الجنوب وعمل القوات الدولية (اليونيفيل) ووصولاً الى الانقسام اللبناني الداخلي وترابطه مع النزاع الإقليمي اضافة الى الخطر الاقتصادي الذي يحدّق بلبنان ومؤتمر «سيدر».

لذلك كان من المنطقي أن تختلف الاجواء الحكومية بين ما قبل القمة اللبنانية ـ الفرنسية وما بعدها، خصوصاً أنّ تسوية سريعة حصلت في العراق، وكان لا بد لها من أن تنعكس على لبنان، وربما كانت تنقصها لمسة دولية أمّنها الرئيس الفرنسي.

والخطوط العريضة للحكومة الجديدة باتت معروفة. فلا ثلث معطّلاً لأيّ فريق أو حزب، وبالتالي تكريس حكومة الثلاث عشرات.

كذلك، فإنّ «القوات اللبنانية» ستنال اربعة وزراء من ضمنهم موقع نيابة رئاسة الحكومة، ولكنّ جدلاً حصل حول هذه النقطة خلال الايام الماضية. فلقد قيل إنّ الحريري الذي سمع هذا الكلام من عون لم يلتزم بالشرط الذي وضعه عون وهو إقرار الجميع علناً بأنّ هذا الموقع هو من حصة رئيس الجمهورية وهو بالتالي عِرفٌ يجب الالتزام به دائماً، وانّ رئيس الجمهورية هو مَن مَنَح هذا الموقع من حصته. ويتردّد الآن انّ مفاوضات الأيام المقبلة قد تشهد السعي الى مقايضة موقع نيابة رئاسة الحكومة بحقيبة اساسية.

كذلك في العناوين العريضة للحكومة عدم لحظ أيّ مقعد وزاري للنواب السنّة من خارج تيار «المستقبل» الذي سينال ستة وزراء. أما درزياً فإنّ النائب طلال ارسلان سيبقى خارج الحكومة في مقابل وزير درزي ثالث يجري الاتفاق عليه ويكون من حصة الجميع. ووفق هذه الصورة يتوقع بعض المتفائلين ولادة الحكومة قبل نهاية الشهر الجاري، وإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري والذي كان قد أمّن الحلّ للمقعد الوزاري الدرزي الثالث مستعدّ لقطع زيارته الخارجية والعودة الى لبنان في حال اقتربت ساعة الولادة.

لكنّ مشكلتين اساسيّتين ما تزالان في حاجة الى ترتيبات صعبة:

المشكلة الاولى وتتعلق بالحقيبة الاساسية لـ»القوات اللبنانية» ما بين وزارة التربية وسعي الحريري لإعطائها حقيبة وزارة العدل، ووفق ذلك إدخال موقع نيابة رئاسة الحكومة في «بازار» اللحظات الاخيرة.

اما المشكلة الثانية فهي حقيبة وزارة الأشغال وإصرار رئيس الجمهورية على عدم إعطائها لتيار «المردة» تحت طائلة عدم توقيعه، وهو ما استدعى طرح الحريري المبادلة بين «حزب الله» وتيار «المردة» في حقيبتي «الصحة» و»الأشغال»، وهو اقتراح ما يزال قيد الدرس. 

لكنّ الأهم من كل ما سبق تلك الحرب «الخفيّة» التي كانت قائمة وفق حسابات تعزيز فرص المرشحين لرئاسة الجمهورية.

فالعناوين العريضة للحكومة العتيدة تعني ضمناً «مراعاة» مطالب حلفاء السعودية وهو ما وضعه البعض في خانة المقايضة مع التسوية العراقية. ولو انّ الكلام الذي دار في كواليس التفاوض هو أنّ ضمان الفريق المتحالف مع إيران وقوته هما في حضور عون وقدرته وليس بوزير زائد أو ناقص، خصوصاً أنّ الغالبية الوزارية تبقى مضمونة بتكريس الغالبية النيابية.

وهذه العناوين تعني إبقاء حسابات الاستحقاق الرئاسي على الرف ويغلب عليها الغموض وتركها الى موعدها وهو ما كان أشار اليه نائب الامين العام لـ»حزب الله» الشيخ نعيم قاسم في وقت سابق.