هل يمكن أن تتألف حكومة من دون «القوات اللبنانية»؟ وهل يمكن أن يقدِّم الرئيس المكلف تشكيلة لا تعكس التمثيل الفعلي لـ«القوات»؟ وهل من مناورة جديدة ترمي إلى إحراج «القوات» لإخراجها؟ وهل يمكن وضع «القوات» أمام معادلة «take it or leave it»؟
 

الإشارة الأولى التي دلّت إلى نيّات الفريق المعرقل تأليف الحكومة الخروج من دوّامة الفراغ إلى التأليف تمثلّت في التسريبة التي بقيت يتيمة لأكثر من أسبوعين قبل أن تظهر أبوّتها الفعلية، وهذه التسريبة كانت كافية للدلالة الى انّ هذا الفريق لم يعد في إمكانه إطالة أمد الفراغ لأسباب شعبية وسياسية واقتصادية ودولية، خصوصاً بعدما لمس باليد أنّ تمسّكه بوجهة نظره يعني استمرار الدوران في الحلقة المفرغة نفسها، وبالتالي قرر التخلّي حتى إشعار آخر عن 3 أهداف مترابطة:

ـ الهدف الأول، «الثلث المعطّل» الذي لا يمكنه انتزاعه سوى من خلال تحديد تمثيل «القوات اللبنانية» بـ3 وزراء، فيما تمثيلها بـ4 يعني سقوط هذا الهدف، واللافت انّ كل الصيغ التي اجتاحت الإعلام كانت تعطي «القوات» ٣ وزراء لا غير.

ـ الهدف الثاني، نيابة رئاسة الحكومة بعد ان كانت «القوات» قد أُبلِغَت رسمياً وأكثر من مرة انّ هذا الموقع هو لرئيس الجمهورية عرفاً، وانه آلَ إلى «القوات» باقتراح الرئيس نفسه وكان مجرد استثناء، وانّ الرئيس يريد إعادة العمل بالقاعدة المعمول بها، وبالتالي ماذا عَدا ممّا بَدا ليصبح ما كان متعذراً مقبولاً؟

ـ الهدف الثالث، إخراج «القوات» من الحكومة او تمثيلها بـ3 وزراء، ولكن بعدما وصل إلى اقتناع انّ ثمة استحالة لتحقيق هذا الهدف انتقل إلى الخطة «ب» وهي تمثيل «القوات» بـ4 وزراء بدلاً من 3، وإبقاء موقع نيابة الرئاسة من ضمن حصتها.

ولعل السؤال الأول الذي يتبادر إلى الأذهان: لماذا لم تُبَلَّغ «القوات» رسمياً ومنذ اللحظة الأولى بالصيغة الرباعية بدلاً من رميها عمداً في الإعلام ومن دون تبنّيها رسمياً؟ وفي التقدير يمكن القول انّ الهدف كان جسّ نبضها، فإذا وافقت ورَحّبت يتم التنصّل من هذه الصيغة، وفي حال رفضت واعترضت يتم تحويلها صيغة رسمية من أجل ان ترفض رسمياً واستبعادها عن الحكومة العتيدة.

وهذا ما حصل تحديداً، إذ بعد ان أبلغ رئيس «القوات» الى الرئيس المكلف انه غير معني بنقاش الصيغة الرباعية، ليس فقط من زاوية الشكل ومن يقف خلف تسريبها، إنما من جهة مضمونها الذي لا يعكس رؤية «القوات» لتمثيلها الوزاري، تمّ تحويل هذه الصيغة صيغة رسمية.

وأما السؤال الثاني فهو ماذا تخفي هذه الصيغة؟ وفي هذا السياق يمكن التوقف أمام المعطيات الآتية:

ـ أولاً، في حال اعترضت «القوات» على هذه الصيغة سيخرج من يقول ماذا تريد «القوات» بعد؟ ويضيف: «لقد أعطيت 4 وزراء، كما أعطيت موقع نيابة رئاسة الحكومة، وعلى رغم ذلك ما زالت تتمسّك برفضها، الأمر الذي يؤكد انها تعطِّل بطلب خارجي».

ثانياً، الهدف من التشدد برفض تمثيل «القوات» بأكثر من 3 وزراء وبانتزاع نيابة الرئاسة منها كان إمّا بإخراجها من الحكومة، او تسليمها بالأمر الواقع، او تمنينها من كيسها بأنّ ما حصلت عليه من صيغة تزاوج بين 4 وزراء وموقع نيابة رئاسة الحكومة لا تستحقه، وبالتالي عليها أن تقبل فوراً هذه الهدية.

ثالثاً، إحراجها أمام الرأي العام برَمي كرة التعطيل في ملعبها وتحميلها مسؤولية استمرار الفراغ، خصوصاً انّ الوزير جبران باسيل لم يعد يتحمّل إبقاء المسؤولية في حضنه.

والعبرة من كل ذلك انّ هذا الطرف سيقول انّ هذه الصيغة تشكل أكثر من قدرته على التنازل، وانّ هذا آخر سقف يمكن ان يصل إليه. وبالتالي، تخيير «القوات» بين الموافقة فالمشاركة على أساس الصيغة العتيدة، وبين الرفض وبالتالي الخروج بإرادتها من الحكومة.

ومعلوم انّ رفض «القوات» هذه الصيغة يستند إلى 3 اعتبارات أساسية: الاعتبار الأول، انها ترفض منطق الهدايا، وكأنها في موقع ضعف وهناك من يريد ان «يربّحها جميلة» من كيسها.

والاعتبار الثاني يتمثّل برفضها الموافقة على فتات من الوزارات، فيأخذ باسيل الوزارات السيادية والنصف سيادية والأساسية ويترك لـ»القوات» «الفضلات»، وعلى رغم ذلك المطلوب منها المشاركة!

والاعتبار الثالث انّ تمثيلها الشعبي والنيابي الذي ظهّرته صناديق الاقتراع يمنحها موضوعياً 5 وزراء لا 4، وحقيبة سيادية لا نيابة الرئاسة، وذلك انطلاقاً من حتمية توزيع الحقائب السيادية على أكبر كتلتين، فيما الذي يحصل عملياً هو الاستئثار بالحصة المسيحية وتحجيم «القوات» إلى أقصى الحدود.

ومن المفيد القول انّ انتظار كل هذا الوقت لم يحصل بالمصادفة، إنما الهدف منه تحقيق السيناريو الآتي: إمّا تحجيم «القوات» وإحراجها لإخراجها، وفي حال فشل هذا الهدف فإنّ عامل الوقت يتحوّل عاملاً ضاغطاً على الجميع بدءاً من الرئيس المكلف وصولاً إلى المجتمع الدولي.

وبالتالي، يصبح التأليف مطلباً ملحّاً وبأي ثمن، أي من دون الأخذ في الاعتبار وجهة نظر «القوات»، لأنّ استمرار الفراغ لم يعد مقبولاً وانعكاساته سلبية جداً على الوضع الاقتصادي، وهذا ما يفسر تبنّي الصيغة اليتيمة وتعميم الأجواء الإيجابية.

وحيال كل ذلك، لا بد من أجوبة سريعة على التساؤلات الواردة في المقدمة:

هل يمكن ان تتألف حكومة من دون «القوات اللبنانية»؟ وهل يمكن ان يقدِّم الرئيس المكلف تشكيلة لا تعكس التمثيل الفعلي لـ»القوات»؟ وهل من مناورة جديدة ترمي إلى إحراج «القوات» لإخراجها؟ وهل يمكن وضع «القوات» أمام معادلة «take it or leave it»؟

في الإجابة عن السؤال تبرز وجهتا نظر: الوجهة الأولى تقول انه يستحيل تأليف حكومة من دون «القوات»، التي تحوّلت بفِعل عوامل واعتبارات عدة، عامل توازن أساسي داخل الحكومة ومن دونها تتحول حكومة «حزب الله»، فضلاً عن انّ الرئيس المكلف سيكون من دون «القوات» في موقع المحاصر، خصوصاً مع ملفات تبدأ بالتطبيع ولا تنتهي بالإطاحة بسياسة «النأي بالنفس».

ولكن الوجهة الثانية تعتبر انّ ما كان يتعذّر إمراره في الأمس يصبح ممكناً اليوم، بمعنى الضغط الدولي المعطوف على الضغط الاقتصادي المعطوف على الفراغ المفتوح المعطوف على وجود نافذة. ففي ظل كل هذه العوامل مجتمعة يمكن تهريب حكومة بلا «القوات»، وبالتالي يجب ان تكون «القوات» حَذرة، وان تحاول انتزاع ما يمكن انتزاعه من دون ان ينقطع الخيط الرفيع المتبَقّي لشد الحبال.

وفي الإجابة عن السؤال الثاني هناك من يجزم بأنّ الرئيس المكلف ليس في هذا الوارد، وانّ الزمن السابق غير الزمن الحالي، وان لا انعطافة من دون التنسيق مع «القوات».

ولكن هناك من لا يستبعد في المقابل ان يبادر الحريري، تحت ضغط اللحظة وبعبدا ومحيطه والوضع الاقتصادي، إلى تقديم صيغة غير متوافق عليها كلياً مع «القوات» بحجّة أنها أُنصِفَت عددياً ولو حُرِمَت نوعياً وجزئياً، أو بذريعة أنّ التنازلات أصبحة متوازنة وانّ أحداً لن يخرج منتصراً بفرض رؤيته أو شروطه الكاملة.

وفي الإجابة عن السؤالين الثالث والرابع فإنّ الهدف الأساس كان وما زال إحراج «القوات» لإخراجها، لأنه بهذه الطريقة ينتزع باسيل «الثلث المعطّل» ويتخلّص من «القوات» لسنين مديدة.

وبالتالي، الخلفية الرئيسية المتحكّمة وراء رمي الصيغة في هذا التوقيت بالذات، وهو توقيت ضاغط دولياً وشعبياً واقتصادياً، الظهور بمظهر المتساهل وتحميل «القوات» مسؤولية الرفض، وحشر الحريري لاتخاذ موقف، ووضعها أمام خيار من اثنين: الدخول بالشروط الموضوعة او الخروج من الحكومة.

وإذا كان هذا ما يخطّط له الطرف الأخر، فهذا لا يعني أنه قابل للتحقق، ولكن الحذر واجب.