بمعزلٍ عن السيناريوهات التي يُطلقها مدّعو المعرفة والمتضرّرون والمغيَّبون عن مساعي التأليف والراغبون بموقعٍ على لائحة المتضرّرين والضحايا، يبدو للمراقبين أنّ المعطيات التي تقود الى تأليف الحكومة قد تجاوزت كثيراً من العقبات والمناكفات. فكيف السبيل الى هذه القراءة الإيجابية؟
 

بعدما عبر التكليف منتصف الشهر الخامس، راكمت المساعي المبذولة لتأليف الحكومة بعض المعطيات الإيجابية التي توحي بإمكان نجاح الرئيس المكلف سعد الحريري بتقديم أولى تشكيلاته المتوافق عليها مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، شكلاً ومضموناً وحصصاً وحقائب بعدما انتهت المرحلة التي قيل فيها إنّ رئيس الجمهورية وفريقه في واد والرئيس المكلَّف في واد آخر.

يستند أصحابُ هذه النظرية الى المساعي التي بذلها عون عشيّة سفره الى أرمينيا، لإقناع الحريري بأنّ مواقف الوزير جبران باسيل الأخيرة لا تستهدف مهمّته، وأنّ ما أراده الصهر لا يتعدى المواجهة المفتوحة بين أصحاب نظرياتٍ عدة بشأن ترجمة نتائج الإنتخابات النيابية وتسييلها نسبيّاً على الحقائب الوزارية حصصاً، قبل الدخول في مرحلة توزيع هذه الحقائب وإسقاط الأسماء المقترَحة عليها.

وفي هذا الإطار يقول العارفون انّ قراءة عون لمواقف باسيل لم تكن لمجرد الدفاع عنها أو تبريرها، بمقدار ما كانت لتطمين الحريري الى أنّ التجاوبَ مع طروحاته الجديدة بات امراً مطلوباً، بعدما وفّر للمرة الثانية، في علاقاته كرئيس جمهورية مع الرئيس المكلّف، مخرجاً لحصة «القوات اللبنانية»، من بوابة إسناد نيابة رئاسة الحكومة اليها، وإن كانت هذه المرة مفصولة عن أيِّ حقيبة وزارية، كما كانت معطوفة في الحكومة الراحلة على حقيبة وزارة الصحّة، ما شكّل مخرجاً لأزمة التأليف السابقة، ولو أنها لم تتفاعل يومها بالمقدارالذي بلغته حالياً.

وبناءً على ما تقدّم، ثبت أنّ المساعي المبذولة على أكثر من مستوى وصلت الى موقعٍ متقدّم في فكفكة عقدة «القوات اللبنانية» على رغم الضجيج الذي يرافقها. فبالإضافة الى نيابة رئاسة الحكومة، اقترح رئيس الجمهورية إعطاءَ «القوات» ثلاث حقائب وزارية أخرى هي «الثقافة» و«التربية» و«الشؤون الإجتماعية».

لكن، وعلى رغم ممّا تسرّب من هذا التفاهم فإنّ عقبةً محدودةً لا تزال أمامه تتمثّل بإصرار «القوات» على حقيبة خدماتية ثانية شبيهة بحقيبة التربية أو وزارة العدل، لكنّ الأمرَ محسوم عند هذه الحصة.

وطالما أنّ المخرج كان بتنازلات متبادَلة بين بعبدا ومعراب، فلن يكون هناك عائقٌ يحول دون تنفيذ هذا التفاهم ولو لم يتغيّر منه شيء، مع الإشارة الى أنّ المرحلة ما تزال تتّسع للمناورات لكنّ حلَّها بالطريقة المقترَحة وبالتفاهم بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف يؤمل منه أن ينتهي الى هذه الصيغة مهما قيل عنها وفيها.

عند هذه الحدود لا يمكن القول إنّ العقبات انتهت. فعقبة التمثيل الدرزي في الحقيبة الثالثة خارج حصة الحزب التقدمي الإشتراكي أوشكت على الحلّ. وإنّ التفاهم الثلاثي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط بات في مرحلة متقدّمة، وسيكون بتسمية وزير ثالث صديق لجميع القادة الدروز.

ولذلك ووفق المعادلات التمثيلية الدرزية الحكومية فإنّ الموقف الأخير للأمير طلال ارسلان لا يعدو كونه خطاباً موجّهاً الى رفاقه في «الحزب الديموقراطي»، بما فيه من عتب على الحلفاء السابقين الذين لم ينجحوا في فرض المعادلة التي أرادها، ولا بدّ من التجاوب مع هذا الأمر المستجدّ ولو كان خارج إرادته وهو يعرف أنّ معارضته لن تغيّر شيئاً في الواقع.

وفي ما يتصل بعقدة تمثيل «نواب سنّة 8 آذار» فقد أكّد العارفون أنّ الاتّصالات قد تجاوزتها منذ زمن بعيد، وأنّ الحديث عنها صادر عن متضرّر كان يحلم بموقعٍ وهميّ منذ البداية.

فالتفاهماتُ الكبرى بين الأقطاب وضعت مجموعات من النواب السنّة والمسيحيين خارج التركيبة الحكومية، لكنّ الفارق أنّ هناك مَن أراد الإستمرار في الصراخ وآخر وضع التمثيل الوزاري وراء ظهره وهو لا يريد ممّن يدّعون أنهم على لائحة الأقوياء شيئاً يأسره ويحدّ من رؤيته للتطورات، واختار مواقعه في المعارضة الى الحدود التي ترسمها الديموقراطية وليتحمّل البقية ممّن يرغبون في أن يكونوا على لائحة الأكثر تمثيلاً مسؤولياتهم عمّا سيأتون به للبلاد والعباد.

وعليه ونظراً الى كل هذه المعطيات، ثمّة ما يشي للمرة الأولى بإمكان دخول الولادة الحكومية مرحلة المخاض الأخير في انتظار محطات مبرمجة سيعود اليها المعنيّون بالتأليف فورعودة عون من يريفان قبل نهاية الأسبوع لتنطلق المرحلةُ الأكثر جدّية على طريق التأليف، وهو أمرٌ بات شبهَ مؤكد إلّا في حال طرأ ما لم يكن في الحسبان، وعندها سيظهر الى العلن ما إذا كانت هناك عقباتٌ خارجية تفوّقت على الداخلية، وهو أمر لا يسحبه أحد من التوقعات المنتظرة.