ممّا لا شك فيه أنّ أهمّ ما في القمّة الفرنكوفونية في أرمينيا هو اللقاء المنتظر بين رئيس الجمهورية ميشال عون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والذي سيحضره وزير الخارجية جبران باسيل، بطلب، لا بل بإلحاح، فرنسي.
 

منذ اسابيع وخلال انعقاد الجمعية العمومية للأمم المتحدة لم يحصل على هامشها لقاءٌ بين الرئيسين اللبناني والفرنسي. باريس قالت إنّ الجانب اللبناني لم يطلب، ولو حتى شفوياً، موعداً للّقاء، وكذلك فإنّ الرئيس الفرنسي كان قد أنجز برنامج لقاءاته بحيث إنه كان من الصعوبة في مكان إجراء تعديل في نيويورك وتحقيق اللقاء، وحتى الاتصال الهاتفي لم يحصل.

لكنّ المراقبين لم يقتنعوا بالتبرير الفرنسي، لأنه كان يمكن ترتيب لقاء طارئ، أو على الأقل إتصال، خصوصاً أنّ للبنان موقعاً مميّزاً في ركائز السياسة الخارجية لفرنسا. ولذلك وضع هؤلاء عدم حصول اللقاء اللبناني ـ الفرنسي في نيويورك في إطار توجيه رسالة «عدم رضى» فرنسية.

في يريفان تمّ ترتيبُ اللقاء المنتظر ولكن مرفقٌ بطلب ماكرون وجوب أن يشارك فيه وزير الخارجية اللبنانية.

وربما المقصود من هذه المشاركة استكمال مفاعيل الرسالة السياسية الفرنسية في نيويورك أو ترجمتها من خلال طرح النقاط وجدول أعمال القمّة.

ولا تُخفي الديبلوماسية الفرنسية عدم موافقتها، أو ربما أكثر، على طريقة إدارة شؤون الدولة اللبنانية. فتزامناً مع افتتاح أعمال القمّة الفرنكوفونية في أرمينيا يصل الى بيروت السفير بيار دوكين موفداً من الرئيس الفرنسي في مهمة متابعة ملف مؤتمر «سيدر» وتنفيذ قراراته.

صحيحٌ أنّ مهمّة دوكين هي تقنية أكثر منها سياسية، إلّا أنها ستحمل معها قلق فرنسا من اللامبالاة، أو حتى «الخفّة» التي يتعاطى معها بعض المسؤولين في لبنان حيال مؤتمر قادر أن يشكّل مدخلاً لإنقاذ الواقع الاقتصادي الصعب لا بل الكارثي في لبنان. وسيتحدّث الرئيس الفرنسي عن ذلك بإسهاب أمام رئيس الجمهورية ووزير الخارجية.

وتروي أوساط ديبلوماسية فرنسية أنّ ماكرون سيبدي استغرابَ بلاده من التأخير والتلكّؤ الحاصلين في أزمة ولادة الحكومة، وهو ربما لذلك أصرّ على حضور باسيل. وسيعرض ماكرون الآثار السلبية الناجمة عن التأخير على بنود «سيدر» وبالتالي مجمل الوضع الاقتصادي وايضاً المالي للبنان.

وسيتطرّق الى المعالجات المتعثّرة من دون أن يكون ذلك مفهوماً كمثل ملف الكهرباء الذي تضع باريس علامات استفهام كثيرة حوله. فالكهرباء تتسبّب بأكثر من ثلث عجز الخزينة، فيما الحلول موجودة وهي غير صعبة. ويسمع اللبنانيون في وضوح التقويم الفرنسي السلبي تجاه سياسة باسيل.

وفي موازاة ذلك تعزّز الأرقام المخاوف المتزايدة من الوضع المالي للدولة اللبنانية على رغم وجود محاولات تجميل مرفقة بمواقف شبه يومية توحي بعكس ذلك.

فوفق هذه الأرقام فإنّ أرقام الفصل الأول من هذه السنة تشير الى تراجع واردات الدولة بنسبة 0,7%، فيما تزايد الإنفاق ليصل الى 22% ربما بسبب دخول سلسلة الرتب والرواتب حيّز التنفيذ والتي جاء إقرارها في إطار المزايدات الانتخابية ومن دون إشباعها الدرس العلمي المطلوب.

وفي الفصل الاول من السنة الحالية ازداد العجز بنسبة 1,92% لكنّ الأخطر أنّ زيادة العجز وصلت منتصف فصل الصيف الماضي الى 6,1%، ما يعني أنّ التوقعات تؤشر الى أنّ هذه الزيادة ستصل الى 8% أو ربما 9% مع نهاية السنة الحالية. ولكن مع الاشارة الى حصول تأجيل دفع بعض الاستحقاقات الى السنة المقبلة بهدف تجميل الأرقام والذهاب الى مؤتمر «سيدر» بأعباء مخفّفة.

وفي الارقام ايضاً أنّ 381 مؤسسة لبنانية أقفلت أبوابها وأعلنت إفلاسها وهو رقم لا يُستهان به مقارنةً مع حجم السوق اللبنانية.

وصحيحٌ أنّ مصرف لبنان المركزي يملك ما مجموعه 121 مليار دولار اميركي، لكنّ جزءاً أساسياً من هذه الاموال هو للمصارف اللبنانية، أي للمودعين اللبنانيين. وربما أحد اسباب ارتفاع الفوائد المصرفية، كان الهدف منه «إعتقال» هذه الأموال ومنع تحريكها أو ربما نقلها.

في المحصلة فإنّ «سيدر» ليس استكمالاً لمؤتمرات باريس السابقة وإلّا لكان سُمِّيَ «باريس 4» فهو يهدف لضخّ الأموال في الاسواق اللبنانية عبر مشاريع مُلحّة ولكن تحت إشراف دوليّ كامل وصارم ما يشكّل حتماً إدانة دولية وعدم ثقة بشفافية الطبقة الحاكمة في لبنان.

«سيدر» أساسي لمنع الانهيار، الذي لم يعد بعيداً، وتأليف الحكومة شرط أساسي للانطلاق بإصلاحات «سيدر» ومعها تصبح المشكلات الأخرى ثانوية، من مسألة الأحجام وصولاً الى الحسابات الرئاسية.

قد يكون هذا الكلامُ قاسياً، ولكنه حقيقي. ودورُ الإعلام يبقى في طرح العيوب من أجل تصحيحها خدمةً لمستقبل البلاد، وعدم القيام بهذا الدور يخلق جوّاً يسمح للسلطة بالإنجراف أكثر فأكثر في المسارات الخاطئة.