فيما لم تجد المبادرة الروسية لإعادة اللاجئين أسساً عملية لبدء تطبيقها، يستمرّ لبنان بالارتكاز إلى مبادرات رسمية يضطّلع بها الأمن العام ومديره العام اللواء عباس إبراهيم بالتنسيق مع النظام السوري، لأجل تأمين عودة الآلاف من اللاجئين. وإلى جانب مبادرات إبراهيم تستمر مساعي حزب الله عبر افتتاح مكاتب في عدد من المناطق لتسجيل أسماء اللاجئين الراغبين في العودة إلى سوريا. قبل أيام أعلن اللواء إبراهيم أن عمليات إعادة اللاجئين ستستمر انطلاقاً من التنسيق اللبناني السوري. وبمعزل عن الدخول في الأرقام، فإن الأساس حتى الآن يبقى للتوجه الرسمي للدولة اللبنانية في تأمين هذه العودة لأكبر عدد من السوريين.

صحيح أن أعداد العائدين لا تشكّل تغييراً جوهرياً على الأرض في ظل وجود نحو مليون لاجئ على الأراضي اللبنانية، ولكن ما يستشف منها هو استمرار الضغط اللبناني على المجتمع الدولي للتجاوب مع هذه المبادرات وتوفير الغطاء اللازم لها، بالإضافة إلى تقديم المساعدات للسوريين العائدين داخل أراضيهم بدلاً من تقديمها في لبنان. وهنا يدخل التضارب الدولي في شأن التعاطي مع هذا الملف، إذ إن الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا ترفضان تقديم أي مساعدات للاجئين في سوريا في ظل النظام وعدم توفير حماية أمنية وسياسية لحياتهم، كما أن أي مساعدة ستقدّم سيستفيد منها النظام. الأمر الذي يرفضه المجتمع الدولي ويعتبر أنه محاولة لتطبيع العلاقات مع النظام، وفاتحة لبدء عمليات إعادة الإعمار وسط معارضة دولية لأنه لا يمكن الشروع في أي عملية من هذا النوع قبل إيجاد حلّ سياسي، أو إجراء انتخابات شفافة. بمعنى أن التوجه هو لعدم الاعتراف ببشار الأسد.

ولكن، بمعزل عن التوجهات الدولية فإن لبنان سيستمر بهذه المبادرات لأجل تخفيف عبء اللجوء. وفي هذا الإطار، ثمة جولات سيجريها مسؤولون لبنانيون إلى بعض الدول لاطلاعها على هذه المبادرات. كما أن المؤتمر الاقتصادي التنموي العربي الذي سينظمه لبنان في العام المقبل سيركز على البحث في هذه المواضيع، وفي كيفية التخفيف من أعباء اللجوء. وتكشف مصادر متابعة عن أن لبنان يتلقى بعض الرسائل من الدول العربية بشأن وجوب الإلتزام بالتوجهات الدولية في ما يخص اللاجئين، وبأنه لا يمكنه طلب المساعدات من الدول بينما هو يريد الذهاب بشكل منفرد إلى التطبيع مع النظام السوري، وبما أنه استمرّ على خروج من سياسة النأي بالنفس التي أعلن سابقاً الإلتزام بها، ولكنها أسقطت في أكثر من محطّة. ومن بين الشروط التي ترفعها بعض الدول العربية، وجوب إلتزام حزب الله بسياسة النأي بالنفس والانسحاب من الميادين العربية بدلاً من التدخل في سياساتها، وإلا فإن المؤتمر وإن شارك فيه ممثلون عن تلك الدول، لن يؤدي إلى نتائج أساسية وبارزة ما لم تتحقق هذه الشروط السياسية.

ولكن مسار الأمور على الأرض في لبنان وسوريا يبدو مغايراً لهذه التوجهات الدولية. فالتطبيع اللبناني السوري سيسير، وهذا ما يتبيّن من خلال المساعي التي يبذلها لبنان بخصوص فتح معبر نصيب الحدودي، واعتبار أن توفير أي عودة كبرى للاجئين السوريين لن يحصل إلا من خلال التنسيق المباشر مع النظام السوري. وهذه مادّة جديدة يبتز النظام فيها اللبنانيين، ناهيك عن مسالة أساسية تتعلق في رفض النظام إعادة آلاف اللاجئين إلى أراضيهم، خصوصاً بعد تسليمه الأسماء، وذلك تحت ذرائع أمنية وسياسية.

بمعنى أوضح، إن النظام السوري يرفض عودة آلاف السوريين المعارضين له، الذين شاركوا في الحراك المطالب بإسقاطه، هذا بمعزل عمن شاركوا في القتال. وجانب آخرين من السوريين غير المرغوب في عودتهم إلى سوريا، هم أبناء بعض المناطق الحساسة بالنسبة إلى النظام، كأبناء الغوطة الشرقية ومحيط دمشق، والقصير والزبداني ومحيطها، لأن هذه المناطق تعتبر مقفلة أمام سكانها الأصليين. ما يعتبره السوريون وبعض اللبنانيين عملية ممنهجة لتهجير هؤلاء وترك هذه المناطق ذات بعد ديمغرافي وسياسي ومذهبي واحد. وهذا ما يتلاقى مع القانون رقم 10، الذي ينص في أحد بنوده على كيفية تأمين عودة اللاجئين، الذين لن يعودوا إلى مناطق سكنهم الأصلية بسبب إعادة تنظيم مدني وعمراني لهذه المناطق. ما يمنع أهالي بعض المناطق من العودة إليها وتعويضهم عن ذلك بمناطق أخرى غير حسّاسة بالنسبة إلى النظام.

وبين القانون رقم 10 والمرسوم رقم 16 الذي يختص بشؤون الأوقاف وتفويض وزير الأوقاف صلاحيات كاملة على الأراضي التابعة للوقف، مع وجود بند يتحدث عن امكانية تكليف وزارة الأوقاف او إداراتها إلى شخصية لا تحمل الجنسية السورية. فهذا لا يمكن فصله عن تأبيد الوجود الإيراني في سوريا، خصوصاً أن هناك مناطق أصبحت بكاملها تحت سيطرة الإيرانيين بفعل عمليات البيع، ولا سيما في دمشق ومحيطها. أهل هذه المناطق لن يعودوا إليها، وهذا ما يضع السوريين مجدداً أمام مصاعب جديدة، بينما مسألة الإيرانيين ستمثّل تحدياً جديداً للمجتمع الدولي في سوريا.