هل كان من الضروري أو المفيد لمَن أعطى التوجيه لإدارة فندق «بريستول» بإلغاء استضافة مؤتمر «لقاء سيدة الجبل»، أن يلجأ الى هذه الخطوة غير الموفقة التي تسلط الضوء على أنه وفي ظلّ العهد الحالي يتمّ قمع الحرّيات السياسية والعامة، مثلما حصل في مرحلة ما قبل انسحاب الجيش السوري من لبنان.
 

عملياً يبدو المسؤول في «حزب الله» وفيق صفا الأصدق ولو بأسلوب المزاح، فهو استهزأ بالمؤتمر وبالدكتور فارس سعيد، على مسمع جميع مسؤولي الدولة ولم يخرج أيٌّ من هؤلاء بتصريح أو كلمة، لتبرير أو نفي تهمة منع مؤتمر سياسي تنظمه حركة مدنية وسلمية، وعلى رغم «تنقيرات» سعيد عبر «تويتر» غمزاً ولمزاً وتوضيحاً، حول تقصير من هُم أولى بالدفاع عن حرية عقد المؤتمر، فإنّ فنادق بيروت لا تزال تمتنع عن الموافقة عن استقبال هذا «الفيروس» خوفاً من المضاعفات.

إرتبكت إدارة فندق «بريستول» الذي يملكه آل ضومط، فبعد أن ابلغت اعتذارها عن استقبال المؤتمر، عاد مدير الفندق واتصل معتذراً، مطالباً سعيد بالتحضير للمؤتمر ومرحِّباً به، ومساء اليوم نفسه، اتصل مرة ثانية ليعتذر فأُلغي المؤتمر، وبدا أنّ «لقاء سيدة الجبل» الذي يعقد مؤتمره بيتم سياسي، أخطر من مؤتمر العام 2004 الذي عُقد بمشاركة «لقاء قرنة شهوان» و»اللقاء الديموقراطي» وممثل عن الرئيس رفيق الحريري، واخطر من مؤتمرات 14 آذار الجامعة التي استضافها الفندق بلا أيّ حرج.

حرص سعيد على استيضاح هوية الجهة المانعة، فأوصل رسالة الى مسؤول امني سائلاً إياه: لماذا المنع؟ فأتاه الجواب: «لا علاقة لي بالموضوع، فتش عن غيري». قيل له من أكثر من جهة: «غيّر عنوان المؤتمر واستبدل عبارة مواجهة الوصاية الإيرانية على لبنان بأيِّ عنوان آخر، ولن تواجهك أيُّ مشكلة، وبناءً عليه قرّر سعيد أن يتمسّك بعنوانين: وطني، أي «محاربة الاحتلال الإيراني للقرار اللبناني»، وجغرافي، أي التمسّك بعقد المؤتمر في العاصمة بيروت، وليس في أيِّ منطقة أخرى، ويتمّ الآن التفتيش «بالسراج والفتيلة» عن فندق شجاع مستعدّ لاستقبال المؤتمر أو عن قاعة لا يتأثر مالكوها بتهويل تظاهرات «الموتوسيكلات».

في الطريق الى المؤتمر الممنوع لـ»لقاء سيدة الجبل»، برزت مسألة الحرّيات العامة التي أصبحت مهدَّدة الى درجة منع حصول لقاءات سياسية، وهذا ما لم يحصل أيام وجود الجيش السوري في لبنان.

عرض حزب الكتائب الذي شارك ممثله في اجتماع انعقد في مكتب سعيد، ان يستضيف «لقاء دعم للحريات العامة»، فكان اتفاق على عقد اللقاء مساء اليوم في بيت الكتائب المركزي في الصيفي، بمشاركة حزب «الوطنيين الاحرار» واللواء أشرف ريفي وشخصيات مدنية وسياسية وإعلامية، في غياب قوى وازنة لم ترفع الصوت كما عادتها عندما تُمسّ حرية التعبير.

سيكون لقاء اليوم الأول بعد الانتخابات النيابية، دعماً للحريات، لكنه سيكون بدايةً لتنسيقٍ بين هذه القوى كلما استدعت الحاجة، فإذا كان مؤتمر سيدة الجبل قد تمّ منعه اليوم، فإنّ أيّ نشاط سياسي بات معرّضاً للمنع والقمع، خصوصاً الذي ينشط تحت عنوان مواجهة الوصاية الايرانية على لبنان، وكما يقول سعيد، فإنّ هذا التحرّك ليس هدفه المزايدة أو التمريك على أحد، فليس من المصلحة التلهّي بمناكفات داخلية فيما سطوة «حزب الله» تشتدّ على قرار البلد، بحيث بات وطناً اسيراً معرّضاً في كل لحظة لأن يتحوّل متراساً لهذه القوّة الاقليمية أو تلك، وبحيث إنّ عيشه المشترك بات عرضةً لألف اختبار واختبار جراء التراجع عن حمل قضية السيادة وقرارات الشرعية الدولية ودستور «الطائف»، لمصلحة ازدواجية السلاح. ويؤكد سعيد «انّ «لقاء سيدة الجبل» سينعقد في بيروت، ولن نتراجع عن حرّيتنا في التمسّك بمبادئنا فالحرّية أغلى ما نملك».