ساهمت الأزمات المتلاحقة التي تضرب لبنان، وآخرها تعطيل تأليف الحكومة، في تخفيف الاندفاعة والحديث عن كارثة النزوح السوري التي تنتظر الإتفاق الدولي لحلّها.
 

يؤكّد مطلعون على ملف النازحين أنّ موجة التفاؤل بقرب انتهاء أزمة النزوح السوري الى لبنان تضاءلت بنسبة كبيرة، وكل المعطيات تشير الى أنّ الاتفاق الأميركي- الروسي في قمّة هلسنكي لم يدخل حيّزَ التنفيذ بعد.

أما الأسباب التي تدعو الى القلق فتعود الى عوامل خارجية أكثر ممّا هي داخلية، على رغم أنّ الدولة اللبنانية تطرح الصوت عالياً من على المنابر الدولية، لكن ليس هناك مَن يسمع لأنّ ظروف التسوية الإقليمية الكبرى لم تنضج بعد.

ومن المؤشرات السلبية التي تبشّر بإطالة عمر الأزمة هي عدم بدء العودة المنظمة من دول الجوار، وخصوصاً دولتي الأردن وتركيا، وتقتصر العودة على الحالات الفردية أو أعداد قليلة ترغب بذلك وقد أصبحت مناطقهم آمنة.

ولم يكن البيان الأميركي- البريطاني المشترك في الأمم المتحدة، والذي أكد الطرفان فيه أنّ ظروف العودة لم تنضج بعد، إلّا جرس إنذار للدول المضيفة للنازحين، وكدليل على أنها يجب أن تتحمّل الأعباء المترتبة عن النزوح وقتاً إضافياً لأنّ ظروف العودة السياسية لن تتأمّن قريباً.

ومن الأمور التي تدعو أيضاً الى الريبة، إصرار بعض الدول والجمعيات الدولية على تقديم المساعدات للنازحين في لبنان ودول الجوار وعدم رغبتها بإعانة النازحين العائدين الى سوريا، مع العلم أنّ حجم المساعدات لم يواكب حجم الزيادات في أعدادهم نتيجة الولادات الكثيفة، كما أنّ ثمّة دولاً قد خفضت من نسبة مساعداتها غير آبهة لما قد يحلّ من كوارث على لبنان ودول الجوار.

ويُعتبر ربط عودة النازحين بالتسوية السياسية الكبرى في سوريا مؤشراً خطيراً الى استمرار الأزمة، خصوصاً أنّ الدول الكبرى وعلى رأسها «الدولتان العظميان» أميركا وروسيا لم تصل الى اتّفاقٍ على تقاسم الحصص في سوريا، كذلك فإنّ عناصر عدة تُعقّد الوضع السوري ومنها دخول العامل الإسرائيلي وتحوُّل سوريا الى ساحة صراع بين الدول.

ويرفض لبنان الرسمي والشعبي هذا الأمر، ويتحرّك من أجل عدم ربط العودة بالتسوية وإلّا سيطول عمرُ الأزمة، لكنّ تداخل العوامل السياسيّة يجعل التعقيدات تزداد يوماً بعد يوم.

وعلى رغم كل تلك المؤشرات السلبية، يصرّ الطرف اللبناني على الإستمرار في اللجنة اللبنانية- الروسية المختصة بعودة النازحين وعدم الإكتراث بالموقف الأميركي- البريطاني من العودة، لأنّ إضاعة الفرص لم تعد من صالحه وعامل الوقت بات داهماً.

ومن جهة أخرى، فإنّ البحث في الحلول الداخلية مستمرّ، ويسير على خطين، الخطّ الأول هو الأحزاب والتيارات التي تدور في فلك «8 آذار» و»التيار الوطني الحرّ»، وأبرزها «حزب الله» الذي يعدّ العدّة لتسيير أوّل دفعة عودة الى سوريا، في وقت يحاول «التيار الوطني الحرّ» في المناطق درس الأوضاع لتسهيل العودة، لكنّ الخطورة تكمن في أنّ هذه القوى تحاول استغلال الملف سياسياً وفرض التطبيع مع النظام السوري.

أما الخطّ الثاني وهو الأبرز ويتمثّل بنشاط المدير العام للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم الذي يجهد ويعمل من أجل تأمين العودة الى بعض المناطق السوريّة، فيُعتبر مؤشراً يريح النازحين ويشجّعهم على العودة الى بلادهم وعدم تخويفهم لأنّ مصيرَ البقاء في لبنان مجهول، وإنّ أحداً لا يعرف كيف تتجّه الأمور خصوصاً إذا تمّ وقف المساعدات الدولية.

ويبقى الأهم وجود قرار سياسي كبير من أجل إبرام المهمّة، في حين أنّ قوى «14 آذار» ما تزال ترفض التنسيق مع النظام السوري، وتراهن على الإتّفاق الأميركي- الروسي والمظلّة الدولية، ولا تريد إعطاءَ النظام فرصة لإعادة عقارب الساعة الى ما قبل عام 2005.

لكنّ الأساس يكمن في وجود نيّة لتنظيم رحلات العودة الجماعية وليس الفرديّة، وهذه المسؤولية تقع على عاتق الدول الكبرى أولاً، والنظام السوري، والنازحين أيضاً وهم الذين يجب أن يتحرّكوا من أجل المطالبة بتحقيق العودة الآمنة الى قراهم وبلداتهم ومدنهم التي هُجّروا منها، وعدم انتظار إنتهاء إعادة الإعمار لأنه قدّ يتأخّر سنوات، ولا يوجد أيُّ مواطن يرضى بأن يبقى مهجّراً وضيفاً في أرض الضيوف.