ولّدت الانتخابات النيابية الأخيرة شعوراً جدياً لدى المردة بضرورة فكّ العزلة والتخلص من قيود الحلفاء
 

آخر العداوات التاريخية بين اللبنانيين الى انحسار بعد أن استوفت العداوة واستنزفت مأساتها ونتائجها وباتت المصالحة بين حزبيّ المردة والقوّات أكثر من حاجة لبنانية ومسيحية خصوصاً وقد أتاحتها الظروف الملائمة وغياب الظروف التي ضغطت على الحلّ وعصرته لصالح بقاء العداوة في مرتبتها الأولى ولا شك ولا ريب بأن للوصاية السورية سهماً في نصيب بقاء العداء وبانتهاء الوصاية وانتفاء التأثير السوري على اللبنانيين بات باستطاعة الأطراف السياسية التحرّر من أعباء سورية كثيرة كما أن طبيعة التوازنات السياسية المسيحية والمارونية تحديداً وعمل الكتلة القوية على مسح سياسي كامل وشامل لشبكات المصالح السياسية وبروز التيّار كخصم وحيد لرئاسة فرنجية بعد أن منع من وصوله الى قصر بعبدا قد أسهمت في دفع لقاء فرنجية - جعجع الى بكركي وتحت مظلة أبوية لاعطاء اللقاء بعده العائلي لا السياسي فقط.

تبيّن للنائب السابق سليمان طوني فرنجية قدر موقعه عند محور المقاومة والممانعة فتفاجأ برصيده الصفر وهو رقم كبير في محور أسّس فيه ولم يتركه يوماً وفي أصعب الظروف رغم ما أتته من عروضات تخلي عن وقوفه الى جانب هذا المحور ولكن طبيعة المردة المخلصة لقناعاتها وصداقاتها رفضت عروضات البيع والشراء و أبقت سليمان فرنجية في صف سياسي باعه عند أول مشتر ودون ثمن ووجد في خصومه من محور السيادة والحرية فرص حقيقية تعطيه ما يراه حقاً له بعد أن حظيّ بدعم الكبيرين بري و جنبلاط.

إقرأ أيضًا: حارس سوري على جبل الشيخ

هذا التخلي المجحف بحق فرنجية فرض عليه إعادة النظر في الحصارات المفروضة عليه من قبل حلفائه بعد أن تبيّن له أن الحلفاء أسرع منه لملاقاة الخصوم عند أيّ تسوية سياسية تتوزع فيها محاصيل السلطة بحيث يتماهى حزب الله والمستقبل بعد كل عاصفة منذرة بكارثة ويوقع التيّار الحرّ والقوّات اللبنانية تفاهماً على أنقاض عداوة صعبة وهكذا حال الآخرين من روّاد الطبقة السياسية التي تتقاتل و تتحابب في لحظة واحدة مراعاة لحجم المصالح المتبادلة في حين يبقى مارد المردة في فانوس الخصومة لأن هناك من يخاف ويحذر من خروج هذا المارد من الحيّز الضيق الى الحيّز الأوسع في السياسة اللبنانية.

لقد فرضت العداوة مع القوّات وتلبية لضغوطات الحلفاء على سليمان فرنجية بقاءه معتصماً بحبل الخصومة وبإبقاء المردة حبيسة سجن جغرافي في حين أن كل الأطراف السياسية المسيحية تنتشر في كل المناطق فلما تمّ حصر مشروع رئيس دائم في مساحة ضيقة في حين أن النفوذ يتمدد بحجم الطموح.

لقد ولّدت الانتخابات النيابية الأخيرة شعوراً جدياً لدى المردة بضرورة فكّ العزلة والتخلص من قيود الحلفاء وهذا لن يتأتى الا من خلال إعادة النظر في موقف المردة من الساحة السياسية المسيحية باعتبارها الساحة الأصيلة للمشروع الرئاسي ضمن ضبط توازنات داخلية وترتيبات لبنانية لا تنضج الا وفق منطق النفوذ الماروني المسيطر بعد أن أخذت الصراعات الاقليمية الدائرة في المنطقة منطق الصراع المذهبي (السني - الشيعي) وهذا ما غذّى من الحضور السياسي المسيحي ورجّح في لبنان من الكفّة المارونية على حساب صلاحيات رئاسة الحكومة في ظل سعي حثيث للتخلص والتملص من نصوص اتفاق الطائف بالدفع نحو اتفاق آخر وضمن حسابات سياسية أخرى أيضاً.

إقرأ أيضًا: ولدان وقنديلان وأقرع ومتقاعد استراتيجي

يبدو أن استعداد المردة لملاقاة القوّات المحتاجة أيضاً الى التخلص من تراكمات مشاكلها التاريخة ومن تجربتها القديمة بغية التعاطي معها بما هي عليه الآن لا بما كانت عليه سابقاً سوف يرتب أكثر من أثر سياسي على التوزانات السياسية المسيحية خاصة اذا ما تحوّل اللقاء بين مارد المردة وقائد القوّات الى ما يشبه الحلف وتبع ذلك ملاقاة أطراف مسيحية أساسية وانضم حزب الكتائب الى الحلف المستجد لخوض معركة تكون أولى ساحاتها رئاسة الجمهورية فعندها سيأخذ الوهن من عظم التيّار ولن تفلح محاولات الحلفاء في تجديد خيار التيّار للرئاسة لأن توازنات جديدة بدأت إرهاصاتها مع لقاء المردة - القوّات لذلك سيستدرك المتضررون من لقاء فرنجية - جعجع الأمر وسيبذلون المزيد من الضغط لفرملة اندفاعات المردة وستستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لثني عزيمة المردة على إنهاء خصومة مسنة بعلاقة أكثر من طبيعية مع القوّات اللبنانية التي تتحضر هي الأخرى لملاقاة فرنجية لا في بكركي فحسب بل في قصر بعبدا إيماناً منها بصعوبة العلاقة مع تيار يريد كل شيء ولا يلتزم بالمكتوب في اتفاق معراب.

مجرد وجهة نظر تعيد ترتيب الأوراق المارونية المبعثرة في عدة اتجاهات بغية فتح الطريق أمام معادلات جديدة داخل طائفة لطالما كانت معنية في ترتيب الأوراق اللبنانية المبعثرة أيضاً ذات اليمين وذات الشمال وهذا ما لا يلغي وجهات أخرى قد تكون أكثر تفاؤلاً أو تشاؤماً من لقاء هو استثنائي بين قائدين ممسكين ببنية الطائفة والسلطة وبقوّة.