الرئيس المكلف سعد الحريري، لم «يبق» البحصة ويسمي الذين ما زالوا يعرقلون تشكيل الحكومة، لكنه في ذات الوقت بشر اللبنانيين الذين تسمّروا أمام الشاشة ليلة أمس الأول طوال أكثر من ساعتين بأنه توصل إلى اتفاق مع رئيس الجمهورية على صيغة ما لم يعلن عنها بطبيعة الحال ستبصر النور بعد عودة الرئيس من زيارته إلى أرمينيا.

اللبنانيون الذين أفرحتهم هذه البشرى بعدما فقدوا الأمل من تشكيل الحكومة، وباتوا ينتظرون ساعة الانهيار المدمّر للدولة، ما زالت تساورهم الشكوك حول إمكانية ترجمة البشرى التي زفها الرئيس المكلف لأنهم اعتادوا منه على مدى الأشهر الأربعة الماضية من عمر أزمة التأليف، مثل هذا الكلام المعسول، لكن الأيام كانت تمر من دون ان تترجم حقيقة على أرض الواقع، ما جعلهم يشككون في أي كلام تطميني يصدر عن أي مسؤول في الدولة، وتحول التفاؤل عندهم إلى تشاؤم وأصبحت صورة الدولة سوداء قاتمة.

صحيح أن الرئيس المكلف لم يقصر في واجباته، والكل يشهد على الجهود الحثيثة التي بذلها لتجنيب البلد خطر الانهيار المدمّر، وتأليف حكومة توافقية متوازنة، لأن المسؤولية مشتركة بين جميع الأفرقاء، ويتوجب عليهم ان يعملوا فريقا واحداً ويداً واحدة لإنقاذ البلد من الاخطار المحدقة به ووضعه على السكة الداخلية، وكان المطلوب من الجميع ان يقدموا التنازلات حتى تبصر الحكومة النور، لكن حصل العكس وظل كل واحد منهم يتمترس وراء شروطه، للحصول على أكثرية داخل مجلس الوزراء تمكن من السيطرة على الحكومة والتحكم بقراراتها، ولم يسمع اللبنانيون من أي منهم، ما عدا الرئيس المكلف أي كلمة أو موقف يشير إلى استعدادهم للتنازل من أجل الوطن، ما جعل فريقاً كبيراً من اللبنانيين وبصراحة أكثر الفريق السني ليسأل الرئيس المكلف الذي يمثله في السلطة، لقد تنازلت كثيراً في ظل نظام طائفي يحرص كل فريق على حقوق طائفته بمعزل عن المصلحة العامة، فإلى متی ستستمر في تقديم التنازلات على حساب الطائفة وحقوقها في التركيبة القائمة، فيما الفريق في الجانب الآخر يتباهى بأنه يحقق الانجازات لطائفته، ويسألون أيضاً وأيضاً ما دام أن أحداً منهم، سواك، أعلن عن استعداده لتقديم أية تنازلات لا علاقة بحقوق طائفته، فهل يُمكن أن يصدقه أحد من أبناء طائفتك ما بشرت به بالأمس الأول بل سيقول كل مع نفسه كفى تقديم تنازلات  لا يستحقها ولا يريد أن يفهم مغزاها ومرادها حتى ولو لم تُشكَّل  الحكومة وتبقى البلاد على كف عفريت، ما دمنا نعيش في نظام كل فريق «يشد الغطاء» نحو طائفته.