تنتهي منتصف الشهر الحالي مهلة باخرة الكهرباء التركية «إسراء» التي استقدمتها وزارة الطاقة اللبنانية لتزويد بعض المناطق بالتيار الكهربائي مجّاناً ولمدة ثلاثة أشهر، التي تغذّي حاليا قضاء كسروان (جبل لبنان)، لكن من دون أن تحدد الدولة مصير هذه الباخرة، وما إذا كانت وزارة الطاقة ستبرم معها عقداً سنوياً جديداً أسوة بالباخرتين الأخريين، أم تستغني عن خدماتها، ومن دون تأمين البديل، في ظلّ عجز الوزارة عن اللجوء إلى الحلّ الدائم، لجهة بناء معامل جديدة وتحديث المعامل الموجودة حالياً والمترهلة.

هذه المسألة كانت ضمن ملفّ الكهرباء الذي عرضه وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال سيزار أبي خليل مع رئيس الجمهورية ميشال عون، ويبدو أنه لا بديل عن خيار انضمام «إسراء» إلى أسطول البواخر التركية الجاثم على الشاطئ اللبناني، وفيما لم يقل وزير الطاقة كلمته بعد، دعا مصدر نيابي في التيار الوطني الحرّ، إلى اعتماد حلّ لملف الكهرباء قبل الوقوع في المشكلة. وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «ملف الباخرة إسراء كان يفترض أن تعالجه الحكومة الجديدة لو تشكّلت، لكن في غياب حكومة متسلّحة بثقة البرلمان، يبقى من واجب الحكومة المستقيلة معالجة هذا الموضوع من ضمن صلاحية تصريف الأعمال».

وتشكّل أزمة الكهرباء أحد أبرز المعضلات التي تفاقم عجز الخزينة اللبنانية، وتزيد من نسبة الدين العام، حيث تبلغ قيمة العجز السنوي لهذا القطاع نحو ملياري دولار، وتضع الدول المانحة والصناديق الدولية إصلاح هذا القطاع، شرطاً أساسيا لتقديم المساعدة للبنان، وفي ظلّ غياب أي حلّ يلوح في الأفق، اعتبر قيادي في قوى «14 آذار»، أن وزير الطاقة سيزار أبي خليل «يخيّر اللبنانيين بين الغرق في الظلام، أو الرضوخ إلى خيار البواخر». وأوضح لـ«الشرق الأوسط»، أنه «منذ أن استقدمت الباخرة، وجرى التسويق لها على أنها مجانية، كانت الغاية منها ترسيخ ثقافة البواخر، وتكبيد خزينة الدولة مزيداً من الأعباء المالية، وزيادة العجز في الموازنة»، مستغرباً كيف أن «هذا الفريق (التيار الوطني الحرّ) يرفض اعتماد أي سياسة إصلاحية في قطاع الكهرباء، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدل على خلفية الصفقات والسمسرات على حساب المال العام».

ويتولّى وزراء محسوبون على التيار الوطني الحرّ مسؤولية وزارة الطاقة منذ عام 2008. وهم يحمّلون خصومهم السياسيين مسؤولية عرقلة مهمتهم لإصلاح هذا القطاع. ودعا المصدر النيابي في التيار الوطني الحرّ متهمي وزير الطاقة بـ«ترسيخ ثقافة البواخر»، إلى الخروج من «عقلية المؤامرة والتخوين وإثارة الشبهات حول كل ملفّ حيوي». وسأل: «ما الخيارات المتاحة أمام وزير الطاقة لتأمين التيار مؤقتاً لمنطقة واسعة سوى الباخرة؟»، محملاً الحكومة بكل مكوناتها «مسؤولية عدم اتخاذ قرار حاسم ونهائي للحلول الدائمة، بدءاً من توفير الاعتمادات اللازمة لها، إلى وضع دفتر الشروط والدخول بالمناقصات وصولاً إلى بناء المعامل؟».

إلى ذلك، توقع الخبير الاقتصادي والمالي الدكتور مروان إسكندر، أن يسعى وزير الطاقة إلى الإبقاء على الباخرة، ورأى في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، أن الوزير «مهّد لذلك بطلب تمويل ما بين 300 و400 مليون دولار، من أجل شراء الفيول للبواخر من الآن حتى نهاية العام الحالي». ولفت إسكندر إلى أن «المنهجية التي يعتمدها وزراء الطاقة منذ عام 2008 حتى الآن، فاشلة بكل المقاييس». وسأل: «هل يعقل أن يرفض وزير الطاقة الحالي (سيزار أبي خليل) العرض الذي قدّمته شركة (سيمنز) الألمانية، لبناء معامل إنتاج لثلاثة آلاف ميغاوات خلال سنة واحدة، والتي تكفي لبنان كلّه، وبكلفة أدنى من نصف كلفة البواخر؟»، مذكراً بأن «الشركة الألمانية هي ثاني أكبر شركة عالمية، استطاعت تأمين 14 ألف ميغاوات لمصر في غضون سنتين فقط»، معتبراً أن «وزراء الطاقة المتعاقبين منذ 2008 هم من سمحوا باستيراد المولدات، التي كبّدت اللبنانيين 2.5 مليار دولار».