هي المرّة الأولى التي يتنازل فيها رئيس الجمهورية ميشال عون. والأكيد، أن هذا التنازل ليس تفصيلاً، وقد أفضت إليه سلسلة اتصالات وقراءات. موافقة عون على منح القوات اللبنانية نائب رئيس حكومة بلا حقيبة، و3 وزارات بعد اعتراضات جمّة، تشير إلى أن هناك أموراً كبيرة استدعت هذا التنازل. وهناك من يشير إلى دور حزب الله في ذلك، من خلال الزيارة التي أجرتها كتلة الوفاء للمقاومة إلى بعبدا لشكر الرئيس على مواقفه الوطنية، واتصال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله بعون لشكره على مواقفه والثناء على مسيرته الوطنية كرئيس قوي لكل اللبنانيين. وتلفت المصادر إلى أن الاتصال تخلله نقاش في الأوضاع الداخلية، وقد يكون نصرالله عمل على إقناع عون بالسير بتشكيلة حكومة الوحدة الوطنية.

وتفسّره شخصيات في المقلب المناهض للحزب وعون، بأن حزب الله هو من ضغط في سبيل تشكيل الحكومة، وجعل عون يتنازل، لأن الأوضاع لم تعد تحتمل، خصوصاً على مشارف العقوبات الأميركية القاسية والمرتقبة على ايران، وبالتالي لا بد من تحسين الوضع الداخلي وتحصينه لمواجهة أي ارتدادات لهذه العقوبات. ولا يفصل البعض ما جرى عن التطورات في العراق، التي أفضت إلى انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس للحكومة على قاعدة المساومة بين الايرانيين والأميركيين.

في التسوية التي اجترحت، يعتبر الجميع أنهم حفظوا ماء الوجه. صحيح أن القوات كانت تطالب بحقائب وازنة أكثر، لكن حصولها على ثلاث حقائب مع نائب رئيس للحكومة، يعتبر جيّداً بالحد الأدنى، خصوصاً أنها حفظت حقّها وحجمها، لأن الغاية من المطالبة بهذه الحقائب او الاحجام، لا تتعلق بتحديد الوجهة السياسية للمرحلة المقبلة.

النقاش على الحقائب والحصص هو عبارة عن نقاش على الأحجام وليس في السياسة. الواقع السياسي محسوم في البلد، والصورة عنه تتجلى في مواقف عون بالأمم المتحدة، ومواقف الوزير جبران باسيل، التي تعتبر إلى جانب حزب الله وتوفر الغطاء اللبناني الرسمي له ولأنشطته، بالإضافة إلى مواجهة العقوبات التي سيتعرض لها كتداعيات للعقوبات التي ستفرض على ايران وتدخل حيّز التنفيذ. النقاش سينتقل إلى البيان الوزاري. فيما هناك من يعتبر أن البيان سيكون جاهزاً، وهو عبارة عن نسخّة منقّحة عن بيان حكومة العهد الأولى، مع إدخال تعديلات تتعلّق في كيفية حماية اللبنانيين من جرّاء العقوبات الأميركية. بينما تشير مصادر متابعة إلى أن من يقدم على تشكيل هكذا حكومة في ظل الظروف التي كانت سائدة، لن يغصّ في البيان الوزاري، وسيتم إيجاد التوليفات الملائمة له.

رفض القوات هذه الصيغة والبيان العالي اللهجة الذي صدر، يعتبر رداً قاسياً على هذه الطروحات، إذ أكد البيان أن ما تحصل عليه القوات هو من حقها بموجب التمثيل الشعبي والانتخابي، والنقاش يجب أن يكون في ما ستحصل عليه القوات، وليس حول العدد. وتعتبر القوات أن هذه الصيغة المسرّبة تمثّل إهانة للبنانيين الذين اختاروها، لأن نسبة التمثيل لا تقتصر على العدد او الحجم فحسب، بل على التوازن في الحقائب والوزارات أيضاً. لا شكفي  أن اختيار توقيت إصدار البيان ينطوي على محاولة لقطع الطريق على رمي الوزير جبران باسيل الكرة مجدداً في ملعب القوات، عبر تحميلها مسؤولية التعطيل والعرقلة، إذ إنه كان سيخرج في المؤتمر الصحافي ليعلن أنه تم التنازل لمصلحة القوات ومنحت ما طالبت به ولكنها رفضت تحت ضغوط إقليمية. لذلك، يهدف البيان إلى تأكيد حق القوات في ما تريده، وأنها لن تدخل في لعبة تمارس عليها لحشرها.

أمام هذه التطورات، أصبح لا بد من السؤال من يلعب بالآخر؟ هل يعقل أن يجري التداول بين رئيسي الجمهورية والحكومة بهذه الصيغة بدون إبلاغ القوات بها؟ ولماذا لم يخبر الحريري القوات بهذه الصيغة؟ ما يقود إلى احتمالين، إما أن الحريري يشارك مع عون في إطار الضغط على القوات واستدراجها إلى تقديم التنازل، أو أن الحريري والقوات على انسجام وتنسيق تامّين، يبادر رئيس الحكومة إيجابياً تجاه رئيس الجمهورية ليوحي وكأنه يستمرّ في العمل وبذلك الجهد للوصول إلى الحكومة، بينما القوات تعارض لأن ما يعرض عليها مجحف بحقّها. هكذا يبقى الحريري على موقفه المراعي للقوات والرافض الخروج من التفاهم معها حكومياً. وتلفت مصادر متابعة إلى أن موقف القوات أصبح من الثوابت، وهي لن تقدّم تنازلات أكثر، فيما تبقى الكرة في ملعب الطرف الآخر وجديته في تشكيل الحكومة، أو اثبات صحّة استعجاله لتشكيلها، وهي رسالة قواتية لمن يعنيه الأمر، بأن من يريد تشكيل الحكومة فليتدخل مع باسيل وعون وحلّها لانصاف القوات، وليس لبيعها من كيسها.