القضية التي أصبحت أزمة وطنية، تتطلب إعلان حالة طوارئ للحد من تداعياتها على صحة المواطن وعلى سلامة البيئة وعلى تماسك الدولة في لبنان.

ولعل أكثر ما يؤلم عند مقاربة هذه الأزمة المستفحلة هو هذا الشعور بالإهانة الذي ينتاب كل مواطن لبناني أمام عجز دولته في إدارة قطاع استطاعت كل دول العالم من دون استثناء تقريباً من تحديد رؤىً واستراتيجيات لمقاربته على أساسها.

الجديد اننا وبعد 12 سنة أصبح لدينا قانون لادارة النفايات. واسمحوا لي بداية ان أضم صوتي الى الناظرين الى النصف الملآن من الكوب. ببساطة أصبح لدينا للمرة الاولى في تاريخ الجمهورية قانون للنفايات ولكن هذه هي البداية فقط وليست النهاية.

ولتحديد معالم الطريق المناسبة للوصول الى النهايات السعيدة لا بد من تشخيص وضعنا الحالي، ومحاولة الاجابة عن السؤال التالي: ما واقعنا اليوم؟

على الرغم من المحاولات الكثيرة التي بذلت لمعالجة هذا الوضع على مدى سنين طويلة، الا ان المكبات العشوائية ما زالت منتشرة وموزعة على مساحة الجغرافيا اللبنانية وبخاصة خارج بيروت وفي المناطق الريفية. اما ما نسميه المطامر الصحية فهي وبكل أسف ليست كذلك، لأنها لا تنطبق مع المعايير المعتمدة ولأن عصارتها تتسرب في كثير من الاحيان الى مياه الانهار والى البحر.

أما المعامل (وهي تقوم بالمعالجة الميكانيكية والبيولوجية التي تؤمّن حتى الآن استرجاعاً للموارد بقيمة 8% وتخفف من كمية النفايات واثرها على البيئة) فمعظمها يعاني من سلسلة مشاكل أبرزها:

أولاً: النقص في الخبرات القادرة على تشغيل هذه المعامل  بالطريقة السليمة.

ثانياً: ان هذه المعامل التي انشئت لمعالجة النفايات المنزلية فقط أصبحت تستقبل كل انواع النفايات، مما يؤدي الى عملية فرز غير فعالة وكمية عوادم كبيرة جداً.

ثالثاً: ان نوعية الكومبسوت او التسبيخ التي نحصل عليها (ونتيجة الممارسات السابقة الذكر) ليست وفق المعايير السليمة.

رابعاً: غياب البيئة المساعدة الضرورية لتأمين فعالية هذه المعامل.

خامساً: عدم وجود المطامر الصحية فقد انشئت المعامل دون لحظ ضرورة انشاء المطامر بالتوازي معها.

وقد كشفت التجربة السابقة عن سلسلة ثغرات، لا بد من العمل على معالجتها وتلافيها او على الاقل الالتفات اليها للتخفيف من سلبياتها في المرحلة المقبلة.

أولاً: الضعف الذي تعاني منه البلديات ما جعل الحلول اللامركزية غير قابلة للحياة، وقد تبين ان المشكلة ليست فقط في ادارة النفايات انما في بنية النظام.

ثانياً: التغييب شبه الكامل للرأي العام اللبناني عن المشاركة في صناعة القرار المتعلق بحل أزمة النفايات وهو قرار يمس حياة الكل ومستقبلهم ومستقبل الاجيال في هذا الوطن. وقد اثبت هذا الاسلوب الاقصائي أن الموضوع لا يقتصر فقط على موضوع معالجة النفايات وانما يعكس ازمة في طريقة الحكم والحوكمة السائدة في لبنان.

ثالثاً: غياب الوحدات المحلية والمناطقية المتخصصة في موضوع اعادة التدوير وقد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي لا يفكّر فيها المسؤولون والمعنيون بأهمية اعداد وتوفير الكادر البشري المتخصص والقادر على مواكبة اي مشروع من المشاريع الوطنية سواء الكبرى او الصغرى.

في المقابل، هناك نقاط مضيئة ظهرت خلال السنوات الماضية وأبرزها ان القوى المجتمعية (منظمات المجتمع المدني وبعض البلديات الصغيرة) اثبتت انها حاضرة للتحول نحو نشاطات التدوير ولكن السلطات اللبنانية لم تؤدِ دورها القاضي بتنظيم هذا القطاع. كلنا يعلم ان في لبنان قطاعاً غير رسمي وغير مرئي يضم مجموعة من المدورين، وهم يساعدون في عملية استرداد الموارد على الرغم من عدم تقديم الجهات الرسمية اي مساعدة او تسهيلات لهم.

ماذا عن القانون الجديد؟

ان تقييم اي قانون يجب ان ينطلق من نقطة اساسية وهي، مدى امكانية ان يخدم هذا القانون الاولويات التي حددها المجتمع والدولة، وذلك بالطبع استناداً الى رؤية استراتيجية لادارة هذا القطاع.

وهدف اي قانون يجب ان يتركز على بناء نظم ووضع منهجيات، فضلا عن مساهمته في تغيير سلوك المجتمع وتطويره.

ان تغيير سلوك الناس هو احد اهم وظائف القوانين. وهذا ينطبق على قانون السير وقانون الانتخابات وقانون الكوتا النسائية وقانون منع التدخين كما على قانون معالجة النفايات.

وفي حالة ملف النفايات لا بد من الالتفات الى اننا نخوض في قطاع له مخرجات اجتماعية ولسنا نناقش عملاً تقنياً بحتاً فحسب. نحن امام سلة متكاملة تشمل الحوكمة والعادات اليومية وحماية البيئة والصحة وليس فقط تأمين البنية التحتية الصلبة والاشغال العامة.

من المتعارف عليه على نطاق واسع في دول العالم أن تشريع النفايات الصلبة يشمل عادة "مستويين ". الاول هو الاطار التشريعي العام الذي يحدد التعاريف والمسؤوليات والالتزامات والنطاق (scope) بشكل واضح وصريح وبما ينسجم مع الرؤية الموضوعة. وفي الحالة اللبنانية، يمكن ان يكون النطاق هو حماية سلامة الفرد والبيئة واسترداد الموارد .

والثاني يشتمل على المراسيم التطبيقية التي تعمل على تحويل الأهداف العريضة للتشريع الإطاري إلى التزامات محددة قابلة للقياس.

لذلك، فإن الجهد يجب أن ينصب الآن على تعديلات محتملة وعلى المراسيم التطبيقية لضبط ادارة القطاع والتخفيف من السلبيات، وبخاصة تلك التي تعكس خللاً على صعيد الحوكمة او التي يمكن ان تتحول الى مكامن فساد وانعدام للشفافية.

(عناية عزالدين)