بحكومة أو بغير حكومة، فإنّ اليأس عندنا بلَغ حدّ الإستقالة من الطموح، لأنَّ خطر اللبنانيين على لبنان يكاد يوازي خطر الآخرين عليه، وبات علينا أن ننـقذ لبنان أولاً... من اللبنانيين أولاً.. يقولون عن الإصلاح والتغيير...!

ولكن... لم يقولوا كيف نغـيّر، وماذا نغـيّر، ومَنْ نغـيّر ، وبـمَنْ نغـيّر، لنُصْلِح...؟

كلُّ شيءٍ عندنا ملوَّث.. البيئة الجغرافية ملوثة، والبيئة الأخلاقية ملوثة، والهواء ملوّث والماء والفضاء والبحر وسهلنا والجبل ومنبِتُ الرجال ورجالُ الحكم وأهلُ السلطة ملوثون، وعندما يتلوَّث المسؤولون تصبح السلطة وبـاءً.

كلّ الذين تولّـوا الأحكام عندنا على مدى السنين الخوالي وما زالوا مستمرين، هم الذين قاتلوا، وقتلوا، وتقاتلوا، والذي يقتل أكثر يحقق مكاسب سياسية أكثر.

كلّهم يدَّعي القداسة، وكل الإختلاسات تجري في ظلِّ هذه القداسة، وبين القداسة والسياسة، تمتزج رائحة البخور برائحة المفاسد والمذابح.

الفساد عندنا فعلٌ وليس له فاعل، الفاعل دائماً مجهولٌ ومستتـرٌ على خلاف الأصل تقديره هو..

ولكثرة ما استخدموا كلمة الشفافية، أصبحوا شفّافين كالأشباح، والأشباح ليس لها أجسام لإلقاء القبض عليها، وعلى الذين يقبضون المال.. والمال الحرام.

أعلنت مجلة «فوربس» الأميركية لائحة تشمل عشر شخصيات لبنانية توالت على الحكم، وقُـدِّرتْ ثروات كل منهم بما يقارب أو يفوق المليار دولار.

وقد تعزّزت لائحة مجلّة «فوربس» بلائحة عالمية أخرى نشرتها مؤسسة هاريتاج فونديشن Heritage Fondation عن الدول التي تحتلّ أدنى درجات النزاهة الحكومية فاحتلّت الدولة اللبنانية مرتبة تبيّض وجه النزاهة ووجه لبنان، الذي لم يعد فيه شيء أبيض إلا ما تمـنّ به الطبيعة عليه من ثلج على القمم الملّوثة.

قال الرئيس ميشال عون أمام اللجنة الإقتصادية الإجتماعية لغرب آسيا (أسكوا)... «ساعة الحساب مع الفساد قد حانت فلا تهاون مع تحقيق المكاسب غير المشروعة من طريق مخالفة القوانين والتعدّي على حقوق الدولة...»

ولكن... الذين حققوا المكاسب غير المشروعة ونهبوا الدولة وصناديقها، ووجوههم مألوفة، وأسماؤهم معروفة، وعليهم تـدّل الأصابع.. منهم، من هؤلاء ستؤلَّف الحكومة، ومعهم سنظل نعيش في أقبيـة التعاسة وفي المنفى المظلم داخل الوطن، وبهم يقول الشاعر:

رُبَّ مَـنْ ترجو بـهِ دَفْـعَ الأذى        سوفَ يأتيكَ الأذى مِـنْ قِـبَلِهْ.

مع شيء من التفاؤل النظري حتى ولو كان حلماً أفلاطونياً، نتمنى لو تؤلَّـف الحكومة من هذه الطاقات اللبنانية النادرة وجبابرة العقول الذين هجَّرتْهُم هذه السلطة الى المنفى في ديار الإنتشار، فنبغوا في كل مضمار متفوقين، ورفعوا أمجاداً لأوطان، وازدهاراً لأمم، وإعلاءً لأحكام، وإلاّ، فقد نظل مع حكومات «دون كيشوت» نمضي العمر ونحن نركض وراء الطواحين.