الغرّ القروي الذي جاء ليخدم الوطن وجد أنه يخدم الرتب العسكرية من المساعد اإى من يحمل على كتفيه كيلو نحاس من النسور والنجوم
 

انتقل مباشرة من ثكنة هنانو الى اللواء 88 للمدرعات ملتحقاً بدورة الأغرار تنفيذاً لخدمة الوطن الإجبارية وفي رأسه تدور الكثير من الزوايا عن الجيش والجولان والأمّة العربية وفلسطين الحبيبة التي زادته شوقاً عندما ازداد اغتراباً عنها لبُعد البندقية العربية السورية عنها بعد أن كشف أقنعة العروبة قناعاً قناعاً في جيوش همّها علفها وسرقة المواشي والدجاج وبيع قطع الآليات العسكرية واستغلال الأغرار أبشع استغلال من علبة المتيّ الى الألف ليرة سورية مع كل مأذونية لغُر من الأغرار.

الغرّ القروي الذي جاء ليخدم الوطن وجد أنه يخدم الرتب العسكرية من المساعد اإى من يحمل على كتفيه كيلو نحاس من النسور والنجوم فبدأت حكايته التي غصصت عيشته منذ اليوم الأول لدخوله المعسكر المنزوي في إحدى بطون جبل الشيخ والأجرد من كل شيء فلا تتوفر أدنى مقومات الحياة فالحمامات في الهواء الطلق طيلة فصول السنة والتي تتشابه لبقاء الثلج حتى في عزّ الصيف ولا توجد تدفئة في خيم العساكر لأن مازوتهم ينقل الى بيوت الضباط في الشام كما أن الطعام في إجازة دائمة بحيث أن اللحوم على أنواعها تنقل هي بدورها الى مساكن الضباط ويبقى الخبز الحاف الذي يتم تحميصه على نار حطب مسروق من إحدى الحقول القريبة وحده وجبتنا اليومية وعندما تلاطفنا مع الضابط المسؤول حول الغذاء وكيفية مواجهة العدو ونحن لا نعرف سوى أرغفة الخبز وبعض الحبوب التي تكثر فيها الأحجار الصغيرة صرخ صاحب النسر والنجمة فينا قائلاً يا حيوانات الخبز الحاف بعرّض الكتاف..

في أيامه الأولى لم يشهد هذا الغرّ السوري أي سلاح يُذكر وكانت الدورة العسكرية عبارة عن رياضة يومية وعن صعود الجبال بحيث انه لم يستخدم سلاحاً طيلة دورته التي استمرت لسنتين ونصف وكانت قبل الاختصاص الذي اختص به مجرد ركض لراكض يومي في ساحة المعسكر وبعد اختصاصه كقطاعة أي ان الضابط المسؤول قد أوكل اليه مهمّة قطع الكابلات المعطلة وإعادة تصليحها أصبح من الفنيين أي من أصحاب الاختصاصات العسكرية.

إقرأ أيضًا: ماشاء الله شو هالمعلم لسانو متل صحتو !

في إحدى أيام التدريب الرياضي قال لنا الملازم أوّل بأن هناك مناورة عسكرية بحضور السيد قائد اللواء وفعلاً تم تجهيزنا للمناورة ولكن دون السلاح وكانت المفرقعات هي السلاح المستخدم في مناورة بيننا نحن أغرار الجيش العربي السوري وبين العدو الاسرائيلي الذي سيقوم بإنزال جوي بواسطة طائرات هليكوبتر وعلينا مواجهة هذا الإنزال وإنزال أفدح الخسائر به وفعلاً حضرت طائرتان وتمّ إنزال السلالم ولكن لم ينزل عليهم أحد من الأعداء وصرخ الملازم أول بقاذف الصاروخ المحمول على الكتف بأن أطلق الصاروخ المضاد باتجاه الطائرتين والاّ أكلتنا ومزقتنا نيران العدو وكان الصاروخ عبارة عن سهم ناري مربوط بعصا ممسحة ولكن لم يشتعل السهم الأمر الذي دفع بقائد اللواء المحاط بكامل ضباطه الى التدخل مباشرة في العملية المذكورة وبدأ الصريخ على مساعد رامي السهم الناري الذي صاح بأعلى صوته قائلاً: يا سيدي ما عما تقدح القداحة وبعد محاولات عدّة اشتعلت واشتعل الصاروخ السهم وقال قائد اللواء أن المهمة نجحت وتمت إصابة الطائرتين وتم إفشال محاولة الإنزال بعد أن أطلقنا ما بأيدينا من مفرقعات نارية كنت قد ذهبت الى إحدى القرى المجاورة واشتريتها بناءً على أوامر من الملازم أول ومن أموالنا الخاصة وعلى نفقتنا نحن أغرار الدورة العسكرية.

عمّت الاحتفالات بالمعسكر للضباط فقط فبدأوا بقدح أقداح العرق حتى الفجر وهم يضحكون على مساعد رامي السهم الناري الذي أخفق في قدح القداحة كي يشعل فتيل سهم الصاروخ وتمت معاقبته مع فرقته بأن وقفوا عراة الصدور في الصقيع  ليأتي المساعد ويقول لهم خلونا نخلص من هالعقاب بدفع 100 ليرة من كل شخص معاقب ووافق الجميع وتمّ جمع المال للضابط المسؤول وهكذا كانت تفتعل عقوبات جماعية كي تُكسب المسؤولين أموالاً إضافية عن الأموال الي كانت تحصّل لهم بفعل المأذونيات وغيرها من الطرق المتبعة والمعتمدة والتي كانت توفر لكل ضابط مسؤول رواتب شهرية تترواح أرقامها بحسب رتبة كل ضابط وحدود مسؤوليته العسكرية.