سلطة رابعة تراقب السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، أداة للتغيير في المجتمع، منبر لنقل الآراء وتبادلها، صلة وصل بين الشعب والمسؤولين، صوت الشعب والمدافعة عن حقوقه وراحته، كاشفة الفساد...

عند قراءة هذه التعريفات نعرف فورًا أنّ المعني هي وسائل الإعلام في جميع أنواعها. لكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو التالي: هل هذه التعريفات التي سبقت ما زالت تناسب وسائل الإعلام اللبنانية في ظل شبه غياب لدور السلطة ودور الرأي العام الحقيقيين؟

بالفعل، المسؤؤلون السياسيون وغير السياسيين يعملون من أجل المصلحة العامة ويساهمون في إقرار مشاريع وقوانين تهمّ الرأي العام وتخدم مصالحه وحقوقه. أمّا الشعب فهو معروف بطبيعة الحال باندفاعه وجهده لرفض كل "الفيروسات" التي يمكن أن تضر وطنه الحبيب والدفاع عن مصلحة هذا الأخير والمطالبة بتطوّره وتقدّمه. كما أنّ من أولى اهتماماته المطالبة بأبسط حقوقه الخاصة من اجتماعية وسياسية، وحياة مريحة. وجميع هذه الدوار لا يمكن أن تتم بغياب وسائل الإعلام.

لكن في لبنان كل شيء يسير على عكس الطبيعة. فالمسؤولون يوزّعون الوعود الفارغة عبر وسائل الإعلام اللبنانية الناقلة مطالب الشعب. أيضًا يصوّتون على مشاريع تعارض رغبة شريحة كبيرة من الشعب اللبناني وذلك من أجل مصالح خاصة أو التغطية على شكل من أشكال الفساد السائدة في الدولة. على سبيل المثال، قانون إدارة النفايات الصلبة وقانون زيادة الضرائب. كما أنّ الموضة الجديدة هي عدم اهتمام المسؤولين بمطالب المتظاهرين أو المظلومين وتجاهلهم إلى حين أن يملّوا. من جهة الشعب اللبناني، فليس معروفًا إذا مشكلته هي اليأس والاستسلام أو اللامبالاة أو الانتماء الحزبي الذي عماه. في ظل جميع الأخبار التي تبثّها مختلف وسائل الإعلام اللبنانية ويظهر فيها هذا الكم الهائل من الفساد في مختلف أجهزة الدولة اللبنانية وأعمال رجال السياسة القذرة والأنانية، فعدد التحرّكات الشعبية والتظاهرات ضئيل بالنسبة لسوء الحالة. لم يعد اللبنانيون يتأثّرون ويتحرّكون ويطالبون بالتغيير والتجديد، فهم يكتفون بشتم البلد وحكامه أو الهجرة باحثين عن دولة تؤمّن لهم حقوقهم.

إذًا، بعد التعمّق في هذه الحالة الاستثنائية الموجودة في لبنان ربّما يجب تغيير تعريف "وسائل إعلام" في المعجم اللبناني ليصبح "وسيلة لا هدف منها" وكأنّ وسائل الإعلام اللبنانية أصبحت هي الوسيلة والمرسل والمرسل إليه في آنٍ واحد، لا جواب من الجهتين. لكن إلى جانب اختفاء دوري السلطة والرأي العام يمكن إضافة وسائل الإعلام اللبنانية كأحد أسباب هذه الظاهرة عبر نقلها للأخبار "المشوّهة" و "المُضلّلة" والتقليل من أهمّيتها أمام الجمهور وعدم مراعاتها المعايير المهنية.