إلى الشيوخ الإنغلاقيين في الحوزات العلمية، وإلى الشيوخ الموظفين والمنتفعين الذين يجهلون تماماً من أن المساهمات العلمية والنقدية تسهم في الإبداع وفي رفع مستوى الرقي والتطور
 

أنا لا أقرأ كلمة واحدة مما كتبت، لكنني سأقف حتى الموت مدافعاً عن حريتك، مؤيداً حقك في أن تقول ما تريد. "فولتير" قالها ل"روسو").. 

إلى الشيوخ الإنغلاقيين في الحوزات العلمية، وإلى الشيوخ الموظفين والمنتفعين الذين يجهلون تماماً من أن المساهمات العلمية والنقدية تسهم في الإبداع وفي رفع مستوى الرقي والتطور، ورفضهم لهذا المبدأ ليس له مبرر سوى خوفهم على مصالحهم ومكاسبهم، فشيوخ الوظيفة دائماً يتبعون أسيادهم في كل موقف حتى لو أدى إلى مظلمة، وشيوخ النفعيين يعتاشون على الدين وليس لهم سبيل غير ذلك، هنا لم يعد خافياً أن هذا الصنف ـ أي صنف رجال الدين إن صحت التسمية ـ "لكل قاعدة إستثناء"،  تحول إلى تجماعات سياسية وحركات سياسية بكل ما للسياسة من معنى، أي صاروا كغيرهم يطلبون السلطة أو الوظيفة لما تقتضيه مصالح زعماء السياسة، ولم يعد توجيههم إلى رفع معاناة الناس وفقرهم، ولا داعي للإطالة في هذا الموضوع، لما أفاض فيه الأخ الشيخ ياسر عودة، الذي نختلف معه في كثير من المحطات، ونتفق معه برفع الصوت عالياً إن كان على الصعيد العلمي في الموروث الديني، أو على الصعيد الإجتماعي، والغريب أن نرى بعض الوعاظ ـ كما قال صاحب كتاب "وعاظ السلاطين" ـ (إنهم ينزلون غضب الله وعذابه على رأس ذلك الفقير الذي غازل يوماً جارية من جواري سيده مثلا، بينما يباركون لذلك السيد ـ ديني أو سياسي ـ ويهنئونه على تلك الجواري الحسان اللواتي اشتراهن بأمواله من السوق، وكأن الفرق بين الحلال والحرام والمستحب والمكروه في نظر هؤلاء، هو الفرق بين امتلاك المال وعدمه) ـ إنها معيارية غير منصفة، هؤلاء يعتاشون على موائد أسيادهم وموائد الأغنياء والمترفين، فيحرصون على إرضاء أولياء النعمة، وفي الوقت نفسه ينزلون على الفقراء بالقارعة وما أدراك ما القارعة، فيما يغضون الطرف عن الأسياد والزعماء مع تعسفهم وترفهم وظلمهم لخلق الله، بل يدعون لهم بدوام تلك النعم، ومعها طبعاً بالصحة والعافية وطول العمر، وبعضهم يبالغ بالنفاق بأنه يدعو ربه بنقصان عمره ويزيد في عمر السيد والزعيم، وبعضهم يدعو لهم عند أي طارئ أو حادث عندهم إن شخَّر أو عطس. بهذا ينزلون غضب الله على فقراء الناس ويرفعونه عن المنعمين والمترفين، بمعنى أنه يرفع الظلم الإجتماعي عن عاتق الظالمين ويضعه على عاتق المظلومين،الذين يروحون بدورهم ويكثرون من الإستغفار وطلب التوبة، وبهذا يستريح الظلمة من عذاب الضمير ويروحون مردِّدين آمين... آمين.. 

وبكلمة أخيرة، إذا خرج الحاكم ـ ديني أو سياسي ـ عن أي قيمة من قيم الدين، قالوا عنه إنه مجتهد، وبذلك أعطوه الأجر، حتى وإن أخطأ، وإذا جاء فقير برأي جديد قالوا عنه إنه زنديق مارق، وأقاموا عليه الحد، وانهالوا عليه بالويل والثبور وعظائم الأمور، وتوعدوه بالنار الحامية وعذاب الله الذي لا يرد ولا يبدل. وهذا عين ما حذَّر منه النبي الكريم محمد (ص) حين توعَّد قومه وأنذرهم بالعذاب، فقال: (لقد هلك الذين كانوا قبلكم، إذا سرق فيهم القوي تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، وهذا أيضاً عين ما حذَّر منه الإمام علي (ع) حين قال: (عجباً للسلطان كيف يُحسن، وهو إذا أساء وجد من يُزكيِّه).. 

إقرأ أيضًا: شعب فاسد أو عبيط!