أقلّ من شهر يفصل العهد عن إتمام عامه الثاني. مهلةٌ كافية ليتيقّن الرئيس ميشال عون من أنه حورِب باكراً جداً، كما لم يُحارَب أيُّ رئيس جمهورية بعد «إتفاق الطائف»، وليتأكّد خصومُه أنّ رأيهم فيه، وبـ «عهده»، لم يتغيّر.
 

يقول وزير بارز جداً قريب من «محور المقاومة»: «حتى الآن لا يدرك عون أن لا قيمة لما يجمعه من عدد وزراء ونواب وكتلة ضخمة مؤيّدة له طالما أنّ هناك تآكلاً كبيراً في «شعبيّة» تخسر كل يوم نقاطاً من رصيدها. أنا أتناقش مع «الأخوان» في «حزب الله»، لكنّ موقفهم العلني لا يزال على حاله»!

عملياً، قد تكون علاقة عون، وتياره السياسي على رأسه الوزير جبران باسيل، بـ «حزب الله» هي العمود الفقري السياسي الوحيد الداعم لـ «أساسات» العهد منذ إنطلاقته، على رغم المآخذ الكبيرة لـ «الأخوان» على «الادارة المركزية» في القصر الجمهوري لبعض الملفات، والمآخذ الأكبر على وزير الخارجية والتي لا تزال أسيرة جدران الضاحية بقرار من القيادة.

في موضوع تأليف الحكومة على سبيل المثال، لا يؤيّد الحزب، وفق المعلومات، تمثّيل تكتل «لبنان القوي» ورئيس الجمهورية بـ 11 وزيراً في الحكومة، إضافة الى عدم تأييده حصول عون على خمسة وزراء. أما سابقاً، خلال مداولات قانون الانتخاب، فإنّ المشاريع كافة التي تقدّم بها باسيل، والتي عُرفت بالقوانين المختلطة (تجمع بين الأكثري والنسبي) رفضها كلّها «حزب الله»!

مع الحليف المسيحي المفترض «القوات اللبنانية» يحتاج الأمر الى معجزة تتجاوز «عجيبة» رفع كؤوس الشمبانيا في معراب، لكي يجلس عون وسمير جعجع مجدداً وجهاً لوجه، يتناقشان في سبل حماية المسيحيين من «نزعتهم» الفطرية لـ «الإستيلاء» على «الأمرة» في الشارع المسيحي عبر إعادة توحيد الجبهات وتقاسم المغانم والحصص على الورقة والقلم.

مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري «حرب الصلاحيات» التي إندلعت فجأة كفيلة بقياس حجم التباعد بين الطرفين، وإن هَمدت لاحقاً. البيان الرئاسي غير المسبوق في تاريخ العلاقات بين الرئاستين الاولى والثالثة في 3 أيلول الجاري لا يزال يطنّ في آذان الحريري ومفاده بالترجمة «العونية»: «لقد حدّدتُ لك الأسس والمعايير لشكل الحكومة «التي تقتضيها مصلحة لبنان» لكنك سلّمتني مسودّة حكومية مخالفة لهذه المعايير!

في المقابل، في كواليس بعبدا، ثمّة مَن يفضّل دائماً قرع جرس الإنذار للحريري عبر الإيحاء له أنّ «صمود بعبدا»، وليس الوساطة الفرنسية فقط، هو الذي أعاد «الشيخ» الى حلبة السلطة، ولهذه المعركة ثمنها. أما دستورياً فعون يطبّق النص بحرفيّته و»إتفاق الطائف» شاهد.

مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي حَجب صوته أصلاً مع فريقه النيابي عن صندوق «رئاسة» عون، لا حاجة الى وضع القفازات.

فرأي الطرفين ببعضهما البعض معروف، لكنّ السرّ في إبقائه مكتومُ الصوت، مع حرص شديد من جهة بري على عدم الدخول في أيِّ مواجهة مع «الجنرال» إلتزاماً بالكلام الذي ردّده أمام عون بعد انتخابه رئيساً للجمهورية «إنس جلسة التصويت، وسأقف الى جانبك طوال ولاية عهدك». وعدٌ لم يسرِ يوماً على باسيل.

مع النائب السابق وليد جنبلاط لا مصالحة الجبل، ولا لجنة، ولا وسيط، ولا لقاءات عائلية، ولا البيانات المشترَكة ستكون كافية للجم خلاف يصرّ الطرفان، بأدائهما، على إعادته الى جذوره عام 1860!

ما يكرّره عون في مجالسه الضيقة يكشف حجم الهوّة بينه وبين بعض قوى السلطة. هوّة تتّسع الى درجة يبدو فيها العهد، بعد مرور عامين، فاتحاً «جبهات» في وجه الجميع تقريباً!

في رأي عون، أنّ الحريري وجنبلاط لم يستوعبا بعد أنّ الانتخابات على أساس النظام النسبي عكست حجمَهما الشعبي، ولن يكون هناك مجال لإعادة نفخهما داخل حكومة يعتبرها حكومة العهد الفعلية. أما «القوات» فلن تنال أكثر ممّا تستحقّ على قاعدة «قُضي الأمر» تحت طائلة بقاء العهد بلا حكومة لأشهر إضافية.

عشيّة الانتخابات النيابية في أيار الماضي لم يكن حديث رئيس الجمهورية عن حكومة أكثرية في حال تعثّر تأليف حكومة وحدة وطنية مجرد ورقة ضغط. عون، قبل أيّ أحد من فريقه الاستشاري، هو المنظّر الأول لحكومة أكثرية تحكم ومعارضة «تصرخ» خارج قاعة مجلس الوزراء. رغبة إصطدمت بـ»فيتو» متعدّد الاتّجاهات على رأسه «حزب الله»، الى أن أعاد عون طرحَها «بعدما طفح الكيل».

في مناسبة إطفاء شمعة السنتين يستطيع الداعمون للعهد، في المقابل، أن يقدّموا «جردة» حساب بما أنجز وبما هو «على الطريق»، بغض النظر عن جبهات التوتر مع أفرقاء السلطة. كلامٌ غالباً ما يكرّره عون أمام زواره وضيوفه العرب والأجانب عن الإنجازات والعوائق، والأهم دحض كمٍّ هائل من الإشاعات التي تتحدّث عن إنهيارٍ مالي واقتصادي وشيك.

ما ينقل عنه حرفياً أنّ قانون الانتخاب هو الانجاز التاريخي والأساسي للعهد، وهذا ما يبرّر رغبته بتطبيقه بأمانة في توزيعة الحقائب والحصص في الحكومة المقبلة. إقرارُ مراسيم النفط والغاز، والموازنة، والتشكيلات القضائية والديبلوماسية، ووقف المناقصات بالتراضي إلّا في حالات محدودة... هي بمثابة «إضافة» تسجّل للعهد وليس ضده.

باستثناء «حزب الله»، ولاعتبارات خاصة تتداخل فيها العوامل الشخصية والأخلاقية بالسياسية، إنتخب عون رئيساً للجمهورية في 31 تشرين الاول 2016 خلافاً لرغبة معظم القوى السياسية، بما فيها «القوات اللبنانية» التي أبرمت اتّفاق مصلحة لا أكثر، وربما خلافاً لمزاج طبقة سياسية بأُمها وأبيها أزعجها عون حين كان قائداً للجيش ثمّ رئيس حكومة انتقالية، ثمّ حين كان منفيّاً ومن ثمّ رئيس أكبر كتلة مسيحية، فكيف حين أصبح رئيساً للجمهورية. حتى الحريري لو قُدِّر له الحسم لاختار رئيساً مارونياً آخر.

واقعٌ يقود مؤيّدي عون الى التأكيد أنّ مشروع محاربته بعد دخوله قصر بعبدا كان تحصيلاً حاصلاً، لكن ما ليس مفهوماً هو إصرار بعض المتضرّرين من وجوده في سدّة الرئاسة الاولى على «شيطنته» وتصويره أنه أسوأ رئيس جمهورية بعد «إتفاق الطائف».

ما يهجس به أهل القصر فعلاً النقاش الذي لم يهدأ بعد في شأن ما تعرّضت له طائرة الرئيس في رحلتها الى نيويورك من خرق أمني غير مسبوق في تاريخ الرحلات الرئاسية في العالم وليس في لبنان فقط، بتأكيد هؤلاء!