إنه لحزين اليوم الأول من تشرين الأول 2018، الذي أقدمت فيه دار الصياد على إقفال منشوراتها، ولا سيما جريدة «الأنوار»، التي تصدّرت، الى جانبِ عدد من زميلاتها على مدى سبعين عاماً الصحافة اللبنانية، لا بل، الصحافة العربية، المنطلقة من لبنان.

وما يزيدنا حزناً اللامبالاة التي ترافق هذا الإقفال على مختلف الاصعدة وخصوصاً على الصعيد الرسمي؛ كأنّ المسؤولين والقادة السياسيين، الذين تنصَبُّ همومُهم على تقاسم السلطة وتحديد احجامهم فيها، لا يعون مدى الخسارة المعنوية، التي مُني بها لبنان، من جراء غياب «الأنوار» وما يُنذر به هذا الغياب من حتمية إقفال جرائد أخرى.

ولعلّ غياب الصحافة الورقية لا يزعج البتة هؤلاء المسؤولين، إذ إنّ من شأنه، ربما، أن يجعلهم بمنأى عن أيّ انتقاد أو رقابة من قبل صحافة مستقلّة، تشكّل في نهاية الامر المعارضة الحقيقية لمسؤولين لا يفرّقهم إلّا التهافت على مغانم السلطة.

لقد سبق لي أن نشرتُ مقالاً في جريدة «الجمهورية» في 10/1/2017 بعنوان «إنقاذ الصحافة واجب على الدولة»، أعربتُ فيه عن إيماني بأنّ الصحافة الورَقية، رغم التحوّلات التكنولوجية، تبقى ضرورةً لا غنى للقارئ والمواطن عنها، باعتبارها واجهة البلد الثقافية، وبأنّ العتمة بغيابها ستسود حياتنا السياسية، وانّ الصحافة تشكّل مرفقاً حيوياً يحتاج اليه الوطن، بحيث يترتّب على الدولة واجب حمايته ودعمه، ليتمكّن من أداء دوره في خدمة المجتمع.

وذكَرتُ في المقال المذكور بالمشروع الذي أعددته، يوم كنتُ وزيراً للإعلام في حكومة الرئيس تمام سلام، والذي يقوم بصورة رئيسة على تخصيص الصحف الصادرة فعلياً بمساهمة مالية قدرها خمسمئة ليرة لبنانية عن كل عدد يباع من هذه الصحف يومياً.

وكان هذا المشروع يشمل سلسلة إجراءات وحوافز أخرى من شأنها مساعدة المؤسسات الصحافية على تخطّي الأزمة المالية التي تعاني منها. وقد رفعته الى مجلس الوزراء في 31 آذار 2016، لكنه بقي نائماً في ادراج المجلس، ولم يوضع على جدول أعماله، رغم انقضاء اكثر من سنتين عليه ورغم تبنّيه من وزير الإعلام الحالي.

إنّ كلفة الدعم المطلوب هي بحدود عشرة ملايين دولار اميركي في السنة؛ وهو مبلغ زهيد قياساً على المبالغ التي تقدّمها الدولة لسائر القطاعات المنكوبة.

فهل يستفيق المسؤولون من سباتهم العميق بعدما توقفت جريدة «الأنوار» عن الصدور، وهي التي عرفت عصراً ذهبياً في الستينات، يوم كان يكتب افتتاحياتها، الى جانب سعيد فريحة، الاستاذ الكبير اميل خوري والاديب خليل تقي الدين، والصحافي اللامع محمد حسنين هيكل وسواهم ممَّن رحلوا، دون أن ننسى محرّريها الحاليّين وعلى رأسهم الاستاذ رفيق خوري الذي نأمل أن لا يحرم القراء من مقالاته القيّمة.

أم انّ المسؤولين، الذين لا يزعجهم غياب «الأنوار» وما قد يلحقها من الجرائد المستقلة، سيكتفون في هذا الزمن الرديء بالمشاركة في جنازتها ويضعون على ضريحها اكاليل من عدم المروءة وقلّة الوفاء تجاه صحافة كانت في الزمن الجميل إحدى ركائز نظامنا الديمقراطي؟؟

إنهم يُطفئون «الأنوار» ويتبجّحون بأنّ لبنان بلدُ الإشعاع.